Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-1)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لاَ أُقْسِمُ } : العامَّةُ على " لا " النافيةِ . واختلفوا حينئذٍ فيها على أوجهٍ ، أحدُها : أنها نافيةٌ لكلامٍ متقدِّمٍ ، كأنَّ الكفارَ ذَكروا شيئاً . فقيل لهم : لا ، ثم ابتدأ اللَّهُ تعالى قَسَماً . الثاني : أنها مزيدةٌ . قال الزمخشري : " وقالوا إنها مزيدةٌ ، مِثْلُها في : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [ الحديد : 29 ] وفي قولِه : @ 4402ـ في بِئْرِ لاحُورٍ سَرَى وما شَعَرْ @@ واعترضوا عليه : بأنها إنما تُزاد في وسط الكلام لا في أولِه . وأجابوا : بأنَّ القرآنَ في حُكْمِ سورةٍ واحدةٍ متصلٍ بعضُه ببعضٍ . والاعتراضُ صحيحٌ ؛ لأنها لم تقَعْ مزيدةً إلاَّ في وسط الكلامِ ، لكن الجوابَ غيرُ سديدٍ . ألا ترى إلى امرىء القيسِ كيف زادَها في مستهلِّ قصيدتِه ؟ قلت : يعني قولَه : @ 4403ـ لا وأبيك ابنةَ العامرِيْ يِ … @@ كما سيأتي ، وهذا الوجهُ والاعتراضُ عليه والجوابُ نقله مكي وغيرُه . الوجه الثالث : قال الزمخشري : " إدخالُ " " لا " النافيةِ على فعلِ القسمِ مستفيضٌ في كلامِهم وأشعارِهم . قال امرؤ القيس : @ لا وأبيك ابنةَ العامرِيْ يِ لا يَدَّعِي القومُ أنِّي أفِرّْ @@ وقال غُوَيَّةُ بن سُلْميٍّ : @ 4404ـ ألا نادَتْ أُمامةُ باحْتمالِ لِتَحْزُنَني فلابِك ما أُبالي @@ وفائدتُها توكيدُ القسم " ثم قال بعد أَنْ حكى وجهَ الزيادةِ والاعتراضَ والجوابَ كما تقدَّمَ " والوَجهُ أَنْ يُقال : هي للنفي ، والمعنى في ذلك : أنه لا يُقْسِمُ بالشيءِ إلاَّ إعظاماً له يَدُلَّكَ عليه قولُه تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] فكأنه بإدخالِ حرفِ النفي يقول : إنَّ إعظامي له بإقسامي به كلا إعظامٍ ، يعني أنه يَسْتَأْهِلُ فوق ذلك . وقيل : " إنَّ " لا " نفيٌ لكلامٍ وَرَدَ قبل ذلك " . انتهى . فقولُه : " والوجهُ أَنْ يُقال " إلى قولِه : " يعني أنه يستأهِلُ فوق ذلك " تقريرٌ لقولِه : " إدخالُ " لا " النافيةِ على فعلِ / القسمِ مستفيضٌ " إلى آخره . وحاصلُ كلامِه يَرْجِعُ إلا أَنَّها نافيةٌ ، وأنَّ النفيَ مُتَسَلِّطٌ على فعل القسمِ بالمعنى الذي شَرَحَه ، وليس فيه مَنْعٌ لفظاً ولا معنىً ثم قال : فإن قلتَ : قولُه تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ النساء : 65 ] والأبياتُ التي أَنْشَدْتُها المُقْسَمُ عليه فيها منفيٌّ ، فهلا زَعَمْتَ أنَّ " لا " التي قبلَ القسمِ زِيْدَتْ موطئةً للنفيِ بعدَه ومؤكِّدةً له ، وقَدَّرْتَ المقسم عليه المحذوفَ ههنا منفيَّاً ، كقولِك : لا أُقْسم بيومِ القيامةِ لا تُتركون سُدى ؟ قلت : لو قَصَروا الأمرَ على النفيِ دونَ الإِثباتِ لكان لهذا القول مَساغٌ ، ولكنه لم يُقْصَرْ . ألا ترى كيف لُقِيَ { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 1 ] بقولِه : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } وكذلك قولُه : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] بقوله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } وهذا من محاسنِ كلامِه فتأمَّلْه . وقد تقدَّم الكلامُ على هذا النحوِ في سورة النساءِ ، وفي آخر الواقعة ، ولكنْ هنا مزيدُ هذه الفوائدِ . وقرأ قنبل والبزي بخلافٍ عنه " لأُقْسِمُ بيوم " بلامٍ بعدَها همزةٌ دونَ ألفٍ . وفيها أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنها جوابٌ لقسمٍ مقدرٍ ، تقديرُه : واللَّهِ لأُقْسِمُ ، والفعلُ للحالِ ؛ فلذلك لم تَأْتِ نونُ التوكيدِ ، وهذا مذهبُ الكوفيين . وأمَّا البصريُّون فلا يُجيزون أَنْ يقعَ فعلُ الحالِ جواباً للقسم ، فإنْ وَرَدَ ما ظاهرُه ذلك جُعل الفعل خبراً لمبتدأ مضمرٍ ، فيعودُ الجوابُ جملةً اسميةً قُدِّرَ أحدُ جزأَيْها ، وهذا عند بعضِهم من ذلك ، التقديرُ واللَّهِ لأنا أُقْسِمُ . الثاني : أنه فعلٌ مستقبلٌ ، وإنما لم يُؤْتَ بنونِ التوكيدِ ؛ لأنَّ أفعالَ اللَّهِ حقٌّ وصدقٌ فهي غنية عن التأكيدِ بخلاف أفعالِ غيره . على أنَّ سيبويهِ حكى حَذْفَ النونِ إلاَّ أنَّه قليلٌ ، والكوفيون يُجيزون ذلك مِنْ غير قلةٍ إذ مِنْ مذهبهم جوازُ تعاقُبِ اللامِ والنونِ فمِنْ حَذْفِ اللامِ قولُ الشاعر : @ 4405ـ وقتيلِ مَرَّةَ أَثْأَرَنَّ فإنَّه فَرْغٌ وإنَّ أخاكم لم يُثْأَرِ @@ أي : لأَثْأَرَنَّ . ومِنْ حَذْفِ النونِ وهو نظيرُ الآية قولُه : @ 4406ـ لَئِنْ تَكُ قد ضاقَتْ عليكم بيوتُكُمْ لَيَعْلَمُ ربي أنَّ بيتيَ واسعٌ @@ الثالث : أنها لامُ الابتداءِ ، وليسَتْ بلامِ القسمِ . قال أبو البقاء : " نحو : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ } [ النحل : 124 ] والمعروفُ أنَّ لامَ الابتداءِ لا تَدْخُل على المضارع إلاَّ في خبر " إنَّ " نحو : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ } وهذه الآيةُ نظيرُ الآيةِ التي في يونس [ الآية : 16 ] { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } فإنهما قرآها . بقصر الألف ، والكلامُ فيها قد تقدَّم . ولم يُخْتَلَفْ في قولِه : " ولا أُقْسِم " أنه بألفٍ بعد " لا " ؛ لأنه لم يُرْسَمْ إلاَّ كذا ، بخلاف الأولِ فإنه رُسِمَ بدون ألفٍ بعد " لا " ، وكذلك في قولِه : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } لم يُختلَفْ فيه أنَّه بألفٍ بعد " لا " . وجوابُ القسمِ محذوفٌ تقديرُه : لتُبْعَثُنَّ ، دلَّ عليه قولُه : " أيحسَبُ الإِنسانُ " . وقيل : الجوابُ أَيَحْسَبُ . وقيل : هو " بلى قادِرين " ويُرْوَى عن الحسن البصري . وقيل : المعنى على نَفْيِ القسم ، والمعنى : إني لا أُقْسِم على شيء ، ولكن أسألُك : أيحسَبُ الإِنسانُ . وهذه الأقوالُ شاذَّةٌ مُنْكَرةٌ لا تَصِحُّ عن قائليها لخروجِها عن لسانِ العرب ، وإنما ذكرْتُها للتنبيهِ على ضَعْفها كعادتي .