Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 42-42)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِذْ أَنتُمْ } : في هذا الظرفِ أربعةُ أوجهٍ أحدها : أنه منصوبٌ بـ " اذكروا " مقدراً وهو قول الزجاج . الثاني : أنه بدل من " يوم الفرقان " أيضاً . الثالث : أنه منصوبٌ بـ " قدير " ، وهذا ليس بواضحٍ ، إذ لا يتقيَّد اتصافُه بالقدرة بظرفٍ من الظروف . الرابع : أنه منصوبٌ بالفرقان أي : فَرَقَ بين الحق والباطل إذ أنتم بالعُدْوة . قوله : { بِٱلْعُدْوَةِ } متعلق بمحذوف لأنه خبر المبتدأ ، والباء بمعنى " في " كقولك " : زيد بمكة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالعِدوة بكسر العين فيهما . والباقون بالضم فيهما وهما لغتان في شطِّ الوادي وشفيره وضِفَّته ، سُمِّيَتْ بذلك لأنها عَدَتْ ما في الوادي من ماءٍ ونحوه أن يتجاوزَها أي منعته . قال الشاعر : @ 2421ـ عَدَتْني عن زيارتها العَوادي وحالَتْ دونَها حربٌ زَبُونُ @@ وقرأ الحسن وزيد بن علي وقتادة وعمرو بن عبيد بالفتح ، وهي كلُّها لغاتٌ بمعنى واحد . هذا هو قولُ جمهورِ اللغويين . على أن أبا عمرو بن العلاء أنكر الضمَّ ووافقه الأخفش فقال : " لم يُسْمَعْ من العرب إلا الكسرُ " . ونقل أبو عبيد اللغتين إلا أنه قال : " الضمُّ أكثرهما " . وقال اليزيدي : " الكسر لغة الحجاز " وأنشد قولَ أوس بن حجر : @ 2422ـ وفارسٍ لم يَحُلَّ القوم عِدْوَتَه وَلَّوا سِراعاً وما هَمُّوا بإقبال @@ بالكسر والضم ، وهذا هو الذي ينبغي أن يُقال فلا وجهَ لإِنكار الضمِّ ولا الكسر لتواتر كلٍ منهما . ويُحْمل قول أبي عمرو على أنه لم يَبْلُغْه . ويُحتمل أن يُقال في قراءةِ مَنْ قرأ بفتح / العين أن يكون مصدراً سُمِّي به المكان . وقُرئ شاذّاً " بالعِدْية " بقلب الواو ياءً لانكسار ما تقدَّمها ، ولا يُعْتبر الفاصلُ لأنه ساكن فهو حاجز غير حصين وهذا كما قالوا : " هو ابن عمي دِنيا " بكسر الدال وهو من الدنو ، وكذلك قِنْية وصِبْية ، وأصله السَّلامة كالذِّرْوَة والصِّفْوة والرِّبوة . وقوله : " الدنيا " قد تقدَّم الكلام على هذه اللفظة مسبقاً . قوله : { ٱلْقُصْوَىٰ } تأنيث الأقصى . والأقصى : الأبعد . والقَصْوُ : البعد . وللتصريفيين عبارتان أغلبهما أن فُعْلى من ذوات الواو : إن كانت اسماً أُبْدِلَتْ لامُها ياءً ، ثم يُمَثِّلون بنحو الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا ، وهذه صفاتٌ لأنها من باب أفعل التفضيل وكأنَّ العذرَ لهم أن هذه وإن كانت في الأصلِ صفاتٍ إلا أنها جَرَتْ مجرى الجوامد . قالوا : وإن كانت فُعْلى صفةً أُقِرَّتْ لامُها على حالها نحو : الحُلْوى تأنيث الأحلى ، ونَصُّوا على أن القُصْوى شاذة وإن كانت لغة الحجاز ، وأن القُصْيا قياسٌ ، وهي لغة تميم . وممَّن نصَّ على شذوذ القصوى يعقوب بن السكيت . وقال الزمخشري : " وأما القصوى فكالقَوَد في مجيئه على الأصل ، وقد جاء القُصْيا إلا أنَّ استعمالَ القُصْوى أكثر ، كما كثر استعمال " استصوب " مع مجيء " استصاب " وأَغْيلت مع أغالَتْ " انتهى . وقد قرأ زيد بن علي " بالعُدْوَة والقُصْيا " فجاء بها على لغة تميم ، وهي القياسُ عند هؤلاء . والعبارة الثانية وهي المغلوبَةُ القليلةُ العكس ، أي : إن كانَتْ صفةً أُبْدِلت نحو : العُليا والدنيا والقُصْيا ، وإن كانت اسماً أُقِرَّت نحو : حُزْوَى كقوله : @ 2423ـ أداراً بحُزْوَى هِجْتِ للعين عَبْرةً فماءُ الهوى يَرْفَضُّ أو يَتَرَقْرَقُ @@ وعلى هذا فالحُلْوى شاذة لإِقرار لامها مع كونها صفةً ، وكذا القُصوى أيضاً عند هؤلاء لأنها صفة . وقد ترتَّب على هاتين العبارتين أن " قُصْوى " على خلافِ القياس فيهما ، وأن " قُصْيا " هي القياس لأنها عند الأوَّلين من قبيل الأسماء ، وهم يقلبونها ياء ، وعند الآخرين من قبيل الصفات وهم يقلبونها أيضاً ياءً ، وإنما يَظْهر الفرقُ في الحُلْوى وحُزْوى : فالحُلْوى عند الأوَّلين تصحيحُها قياسٌ لكونِها صفةً وشاذة عند الآخرين لأنَّ الصفةَ عندهم تُقْلَبُ واوُها ياءً ، والحُزْوَى عكسُها : فإن الأوَّلين يُعِلُّون في الأسماء دون الصفات ، والآخرون عكسُهم . وهذا موضعٌ حَسَنٌ يختلط على كثير من الناس فلذلك نَقَّحْته . ونعني بالشذوذِ شذوذَ القياسِ لا شذوذَ الاستعمال ، ألا ترى إلى استعمال المتواتر بالقصوى . قوله : { وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } الأحسنُ في هذه الواو ، والواو التي قبلها الداخلة على " هم " أن تكونَ عاطفةً ما بعدها على " أنتم " لأنها مَبْدأُ تقسيم أحوالهم وأحوال عدوهم . ويجوز أن تكونا واوَيْ حال . و " أسفل " منصوبٌ على الظرف النائب عن الخبر ، وهو في الحقيقة صفةٌ لظرف مكان محذوف أي : والركب مكاناً أسفلَ من مكانكم . وقرأ زيد بن علي " أسفلُ " بالرفع وذلك على سبيل الاتِّساع ، جعل الظرف نفسَ الركب مبالغة واتساعاً . وقال مكي : " وأجاز الفراء والأخفش والكسائي " أسفلُ " بالرفع على تقديرِ محذوفٍ أي : موضعُ الركب أسفلُ " . والتخريجُ الأولُ أبلغُ في المعنى . والرَّكْبُ اسمُ جمعٍ لراكب لا جمعُ تكسيرٍ له خلافاً للأخفش لقوله : @ 2424ـ بَنَيْتُه مِنْ عُصْبَةٍ مِنْ مالِيا أخشى رُكَيْباً أو رُجَيْلاً غاديا @@ فصَغَّره على لفظه ، ولو كان جمعاً لَما صُغِّر على لفظه . قوله : { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ } " ليَقْضي " متعلِّقٌ بمحذوف ، أي : ولكن تلاقَيْتُم ليقضيَ . وقدَّر الزمخشري ذلك المحذوفَ فقال : " أي : ليقضيَ الله أمراً كان واجباً أن يُفْعل وهو نصرُ أوليائه وقَهْرُ أعدائه دَبَّر ذلك " . و " كان " يُحتمل أن تكون على بابها من الدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي ، وأن تكونَ بمعنى صار ، فتدلَّ على التحوُّل أي : صار مفعولاً بعد أن لم يكن كذلك . / قوله : { لِّيَهْلِكَ } فيه أوجه ، أحدها : أنه بدلٌ من قوله " ليقضيَ " بإعادة العامل فيتعلَّق بما تعلَّق به الأول . الثاني : أنه متعلقٌ بقوله " مفعولاً " ، أي : فعل هذا الأمر لِكَيْتَ وكيتَ . الثالث : أنه متعلِّقٌ بما تعلَّق به " ليقضيَ " على سبيل العطف عليه بحرفِ عطفٍ محذوف تقديره : وليهلك ، فحذف العاطفَ وهو قليلٌ جداً . وقد قدَّمْتُ التنبيهَ عليه . الرابع : أنه متعلِّقٌ بـ " يَقْضي " ذكره أبو البقاء . وقرأ الأعمش وعصمة عن أبي بكر عن عاصم " ليهلَكَ " بفتح اللام ، وقياسُ ماضي هذا " هَلِك " بالكسر . والمشهور إنما هو الفتح قال تعالى : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } [ النساء : 176 ] { حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ } [ غافر : 34 ] . قوله : { مَنْ حَيَّ } قرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم ، والبزي عن ابن كثير بالإِظهار ، والباقون بالإِدغام . والإِظهارُ والإِدغام في هذا النوع لغتان مشهورتان : وهو كلُّ ما آخرُه ياءان من الماضي أولاهما مكسورة نحو : حَيِي وعَيِيَ . ومن الإِدغام قولُ المتلمس : @ 2425ـ فهذا أَوانُ العِرْضِ حَيَّ ذُبابُه … @@ وقال آخر : @ 2426ـ عَيُّوا بأمرِهِمُ كما عَيَّتْ ببيضَتِها الحمامَهْ @@ فأدغم " عيُّوا " ، ويُنْشَدُ : عَيَّتْ وعَيِيَتْ بالإِظهار والإِدغام . فَمَنْ أظهر فلأنه الأصلُ ، ولأن الإِدغامَ يؤدِّي إلى تضعيفِ حرفِ العلةِ وهو ثقيلٌ في ذاته ، ولأن الياءَ الأولى يتعيَّن فيها الإظهارُ في بعضِ الصور ، وذلك في مضارع هذا الفعلِ لانقلاب الثانية ألفاً في يَحْيَا ويَعْيَا ، فَحُمِل الماضي عليه طَرْداً للبابِ ، ولأن الحركة في الثاني عارضةٌ لزوالها في نحو : حَييت وبابه ، ولأنَّ الحركتين مختلفتان ، واختلافُ الحركتين كاختلاف الحرفين قالوا : ولذلك قالوا : لَحِحَت عينه وضَبِبَ المكان وأَلِلَ السِّقاء ومَشِشَتْ الدابة . قال سيبويه : " أخبرَنا بهذه اللغة يونس " يعني بلغة الإِظهار . قال : " وسمعت بعض العرب يقول : أَحْيِياء وأَحْيِيَة فيُظْهر " وإذا لم يُدْغم مع لزومِ الحركةِ فمع عُروضها أَوْلى . ومَنْ أدغم فلاستثقالِ ظهرِ الكسرة في حرفٍ يُجانسه ؛ ولأنَّ حركةَ الثانية لازمةٌ لأنها حركةُ بناء ، ولا يَضُرُّ زوالُها في نحو حَيِيْتُ ، كما لا يضرُّ ذلك فيما يجب إدغامُه من الصحيح نحو : حَلَلْتُ وظَلَلْتُ ؛ وهذا كلُّه فيما كانت حركتُه حركةَ بناءٍ ، ولذلك قُيِّد به بالماضي ، أمَّا إذا كانت حركةَ إعراب فالإِظهارُ فقط له : يُحْيِيَ ولن يُعْيِيَ . قوله : { عَن بَيِّنَةٍ } : متعلقٌ بـ " يَهْلِكَ " و " يَحْيَا " . والهلاكُ والحياةُ عبارةٌ عن الإِيمان والكفر . والمعنى : ليصدرَ كفرُ مَنْ كفر عن وضوحٍ وبيان لا عن مخالجةِ شبهة ، وليصدرَ إسلامُ مَنْ أسلم عن وضوحٍ لا عن مخالجة شبهة .