Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 57-58)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ } : المَلْجَأُ : الحِصْن . وقيل : المَهْرب . وقيل : الحِرْز وهو مَفْعَل مِنْ لجأ إليه يلجأ ، أي : انحاز يقال : ألجأته إلى كذا ، أي : اضطررته إليه فالتجأ . والملجأ يَصْلُح للمصدر والزمان والمكان ، والظاهر منها هنا المكان . والمَغارات جمع مغارة وهي مَفْعَلة مِنْ غار يغور فهي كالغار في المعنى . وقيل : المغارة : السِّرْب في الأرض كنفق اليربوع . والغار النَّقْبُ في الجبل . والجمهور على فتح ميم " مغارات " وقرأ عبد الرحمن بن عوف مُغارات بالضم وهو مِنْ أغار / وأغار يكون لازماً ، تقول العرب : أغار بمعنى غار ، أي : دخل ، ويكون متعدياً تقول : أَغَرْتُ زيداً ، أي : أدخلته في الغار ، فعلى هذا يكون مِنْ أغار المتعدي ، والمفعول محذوف ، أي : أماكنُ يُغيرون فيها أنفسهم ، أي : يُغَيِّبونها . والمُدَّخل : مُفْتَعَلِ مِنَ الدخول وهو بناء مبالغة في هذا المعنى ، والأصل مُدْتَخل فأدغمت الدال في تاء الافتعال كادَّان من الدَّين . وقرأ قتادة وعيسى بن عمر والأعمش مُدَّخَّلاً بتشديد الدال والخاء معاً . وتوجيهُها أن الأصل : مُتَدَخَّلاً مِنْ تَدخَّل بالتضعيف ، فلما أدغمت التاء في الدال صار اللفظ مُدَّخَّلاً نحو مُدَّيَّن مِنْ تَدَيَّن . وقرأ الحسن أيضاً ومسلمة بن محارب وابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن كثير في رواية " مَدْخَلاً " بفتح الميم وسكون الدال وفتح الخاء خفيفة مِنْ دخل . وقرأ الحسن في رواية محبوب كذلك إلا أنه ضَمَّ الميم جعله مِنْ أدخل . وهذا من أبرع العلم : ذكر أولاً الأمر الأعم وهو الملجأ من أي نوع كان ، ثم ذكر الغَيْران التي يُختفىٰ فيها في أعلى الأماكن وفي الجبال ، ثم الأماكن التي يُختفى فيها في الأماكن السافلة وهي السُّروب وهي التي عبَّر عنها بالمُدَّخل . وقال الزجاج : " يصح أن تكون المَغَارات مِنْ قولهم : حَبْل مُغار ، أي : مُحْكم الفتل ، ثم يُستعار ذلك في الأمر المحكم المبرَم فيجيء التأويل على هذا : لو يَجدون نصرة أو أموراً مسددة مرتبطة تعصِمهم منكم . وجعل المُدَّخَل أيضاً قوماً يدخلون في جملتهم . وقرأ أُبَيّ مُنْدَخَلاً بالنون بعد الميم مِنْ اندخل قال : @ 2501 ـ … ولا يدي في حَمِيتِ السَّمْنِ تَنْدَخِلُ @@ وأنكر أبو حاتم هذه القراءة عنه ، وقال : " إنما هي بالتاء " . قلت وهو معذورٌ لأن انفعل قاصر لا يتعدى فكيف بُني منه اسمُ مفعول ؟ وقرأ الأشهب العقيلي : " لَوَاْلَوا " ، أي : بايعوا وأسرعوا ، وكذلك رواها ابن أبي عبيدة بن معاوية بن نوفل عن أبيه عن جده وكانت له صحبة من الموالاة . وهذا ممَّا جاء فيه فَعَّل وفاعَل بمعنى نحو : ضَعَّفْتُه وضاعَفْتُه . قال سعيد بن مسلم أظنها " لَوَأَلُوا " بهمزة مفتوحة بعد الواو مِنْ وَأَلَ ، أي : التجأ ، وهذه القراءةُ نقلها الزمخشري وفسَّرها بما تقدم من الالتجاء : والجُّموح : النُّفور بإسراع ومنه فرس جَموح إذا لم يَرُدَّه لِجام قال : @ 2502 جَمُوحاً مَرُوحاً وإحضارُها كمَعْمَعَةِ السَّعَفِ المُؤْقَدِ @@ وقال آخر : @ 2503 - إذا جَمَحَتْ نساؤكُمُ إليه أَشَظَّ كأنه مَسَدٌ مُغَارُ @@ وقال آخر : @ 2504 وقد جَمَحْتُ جِماحاً في دمائِهمُ حتى رأيتُ ذوي أحسابِهم جَهَزوا @@ وقرأ أنس بن مالك والأعمش " يَجْمِزُون " ، قال ابن عطية : " يُهَرْوِلُون في مَشْيهِم " . قيل : يَجْمِزُون ويَجْمَحون ويشتدُّون بمعنى " . وفي الحديث : " فلما أَذْلَقَتْه الحجارة جَمَزَ " ، وقال رؤبة : @ 2505 إمَّا تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ قارَبْتُ بين عَنَقي وجَمْزي @@ وهذا أصلُه في اللغة . وقوله : { إِلَيْهِ } ، عاد الضميرُ إلى الملجأ أو على المُدَّخل ؛ لأن العطف بـ أو " ، ويجوز أن يعودَ على " المَغَارات " لتأويلها بمذكر . قوله : { مَّن يَلْمِزُكَ } قرأ العامة " يلمزك " بكسر الميم مِنْ لَمَزه يَلْمِزه ، أي : عابه ، وأصله الإِشارة بالعين ونحوها . قال الأزهري : " أصلُه الدفع ، لَمَزْته : دفعته " ، وقال الليث : " هو الغَمْز في الوجه ومنه هُمَزَةٌ لُمَزَة ، أي : كثيرُ هذين الفعلين . وقرأ يعقوب وحماد بن سلمة عن ابن كثير والحسن وأبو رجاء ورُويت عن أبي عمرو بضمها وهما لغتان في المضارع . وقرأ الأعمش يُلْمِزُك مِنْ أَلْمز رباعياً . وروى حماد بن سلمة : " يُلامِزُك " على المفاعلة من واحدٍ كسافرَ وعاقَب . وقد تقدَّم الكلام على " إذا " الفجائيةِ مراراً والعامل فيها : قال أبو البقاء : " يَسْخَطون " لأنه قال : إنها ظرفُ مكان ، وفيه نظر تقدَّم في نظيره .