Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 69-69)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } : فيه أوجه أحدها : هذه الكافَ / في محلِّ رفعٍ تقديرُه : إنهم كالذين فهي خبر مبتدأ محذوف . الثاني : أنها في محل نصب . قال الزجاج : " المعنى : وعدكما وَعْدَ الذين مِنْ قبلكم ، فهو متعلقٌ بـ " وَعَدَ " . قال ابن عطية : " وهذا قَلِقٌ " . وقال أبو البقاء : " ويجوز أن يكونَ متعلِّقاً بـ " يَسْتهزئون " . وفي هذا بُعْدٌ كبير . وقوله : { كَانُواْ أَشَدَّ } تفسيرٌ لشبههم بهم وتمثيل لفعلهم . وجعل الفراءُ محلَّها نصباً بإضمارِ فعلٍ قال : " التشبيهُ من جهة الفعل أي : فعلتم كما فعل الذين من قبلكم " فتكون الكافُ في موضع نصب . وقال أبو البقاء : " الكاف في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف ، وفي الكلام حذفُ مضافٍ تقديرُه " وعداً كوعد الذين " . وذكر الزمخشري وجهَ الرفع المتقدمَ والوجهَ الذي قدَّمْتُه عن الفراء ، وشبَّهه بقول النمر بن تولب : @ 2513 ـ … كاليوم مَطْلوباً ولا طَلَبا @@ بإضمار : لم أر . قوله : { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ } الكافُ في محل نصب نعتاً لمصدرٍ محذوف أي : استمتاعاً كاستمتاع الذين . قوله : كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ الكافُ كالتي قبله . وفي " الذي " وجوهٌ أحدُها : أن المعنىٰ : وخضتم خوضاً كخوض الذين خاضوا ، فحُذفت النونُ تخفيفاً ، أو وقع المفردُ موقعَ الجمع . وقد تقدم تحقيق هذا في أوائل البقرة ، فحُذِفَ المصدرُ الموصوفُ والمضافُ إلى الموصول ، وعائدُ الموصول تقديرُه : خاضوه ، والأصلُ : خاضوا فيه ؛ لأنه يتعدَّىٰ بـ " في " فاتُّسع فيه ، فَحُذِفَ الجارُّ فاتصل الضميرُ بالفعل فساغ حَذْفُه ، ولولا هذا التدريجُ لَمَا ساغ الحذف ؛ لِما عرفت ممَّا مرَّ أنه متى جُرَّ العائد بحرف اشتُرِط في جواز حَذْفِه جَرُّ الموصولِ بمثل ذلك الحرف ، وأن يتحدَ المتعلَّق ، مع شروط أُخَرَ ذكرتُها فيما تقدَّم . الثاني : أنَّ " الذي " صفةٌ لمفردٍ مُفْهِمٍ للجمع أي : وخضتم خوضاً كخوضِ الفوج الذي خاضُوا ، أو الفريق الذي خاضوا . والكلامُ في العائد كما سَبَق قبلُ . الثالث : أنَّ " الذي " من صفةِ المصدرِ والتقدير : وخضتم خوضاً كالخوضِ الذي خاضوه . وعلى هذا فالعائدُ منصوب من غير وساطةِ حرفِ جر . وهذا الوجهُ ينبغي أن يكونَ هو الراجح إذ لا محذورَ فيه . الرابع : أن " الذي " تقعُ مصدريةً ، والتقدير : وخضتم خوضاً كخوضهم ومثله : @ 2514 فَثَبَّتَ اللَّهُ ما آتاك مِنْ حسنٍ في المُرْسلين ونَصْراً كالذي نُصِروا @@ أي : كنَصْرهم . وقول الآخر : @ 2515 يا أمَّ عمروٍ جزاكِ اللَّهُ مغفرةً رُدِّي عليَّ فؤادي كالذي كانا @@ أي : ككونِه . وقد تقدَّم أن هذا مذهب الفراء ويونس ، وتقدَّمَ تأويلُ البصريين لذلك . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : أيُّ فائدة في قوله : { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ كَمَا } ، وقوله : { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } مُغْنٍ عنه كما أغْنىٰ " كالذي خاضوا " [ عن أن يقال : وخاضُوا فَخُضْتُمْ كالذي خاضُوا ] ؟ قلت : فائدتُه أَنْ يَذُمَّ الأوَّلين بالاستمتاع بما أُوتوا ورِضاهم بها عن النظر في العاقبة وطلبِ الفلاحِ في الآخرة وأن يُخَسِّسَ أمر الاستمتاع ، ويُهَجِّن أمرَ الراضي به ، ثم يشبه حال المخاطبين بحالهم . وأمَّا " وخُضْتُمْ كالذي خاضوا " فمعطوفٌ على ما قبله ، ومسندٌ إليه مُسْتَغْنٍ بإسناده إليه عن تلك المقدمة " يعني أنه استغنىٰ عن أَنْ يكونَ التركيبُ : وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا . وفي قوله : { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ } إيقاعٌ للظاهر موقع المضمرِ لنُكْتةٍ : وهو أن كانَ الأصلُ : فاستمتعتم فخَلاقكم كما استمتعوا بخلاقِهم ، فأبرزهم بصورةِ الظاهر تحقيراً لهم كقوله تعالى : { لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } [ مريم : 44 ] وكقوله قبل ذلك : { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } ثم قال : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ التوبة : 67 ] . وهذا كما يدل بإيقاع الظاهر موقعَ المضمرِ على التفخيم والتعظيم يدلُّ به على عكسِه وهو التحقير .