Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 99, Ayat: 5-5)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ } : متعلِّقٌ بـ " تُحَدِّثُ " أي : تُحَدِّثُ . ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ " أخبارَها " وقيل : الباءُ زائدةٌ ، وأنَّ وما في حَيِّزها بدلٌ من " أخبارَها " وقيل : الباءُ سببيةٌ ، أي : بسبب إيحاءِ اللَّهِ تعالىٰ إليها . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : أين مفعولاً " تُحَدِّثُ " ؟ قلت : حُذِفَ أَوَّلُهما ، والثاني : " أخبارَها " ، وأصله : تُحَدِّث الخلقَ أخبارَها . إلاَّ أنَّ المقصودَ ذِكْرٌ تَحْديثِها الأخبارَ لا ذِكْرُ الخَلْقِ تعظيماً لليوم . فإنْ قلت : بمَ تَعَلَّقَتِ الباءُ في قولِه " بأنَّ ربَّك " ؟ قلت : بتُحَدِّثُ ؛ لأنَّ معناه : تُحَدِّثُ أخبارَها بسببِ إيحاءِ رَبِّك . ويجوزُ أَنْ يكونَ االمعنىٰ : تُحَدِّثُ ربَّك بتحديثِ أنَّ ربَّك أوحىٰ لها أخبارَها ، على أنَّ تَحْديثَها بأنَّ ربَّك أوحى لها تَحْديثٌ بأخبارِها ، كما تقول : نَصَحْتَني كلَّ نصيحة بأَنْ نَصَحْتَني في الدين " قال الشيخ : " وهو كلامٌ فيه عَفْشٌ يُنَزَّه القرآنُ عنه " . قلت : وأيُّ عَفْشٍ فيه مع صِحَّته وفصاحتِه ؟ ولكنْ لَمَّا طالَ تقديرُه مِنْ جهةِ إفادتِه هذا المعنى الحسنَ جَعَله عَفْشاً وحاشاه . ثم قال الزمخشريُّ : " ويجوزُ أَنْ يكونَ " بأنَّ ربَّك " بدلاً مِنْ " أخبارَها " كأنه قيل : يومئذٍ تُحَدِّثُ بأخبارِها بأنَّ ربَّك أوحَىٰ لها ؛ لأنَّك تقول : حَدَّثْتُه كذا ، وحَدَّثْتُه بكذا " قال الشيخ : " وإذا كان الفعلُ يتعدَّى تارةً بحرفِ جرٍّ ، وتارةً يتعدَّىٰ بنفسِه ، وحرفُ الجرِّ ليس بزائدٍ ، فلا يجوزُ في تابِعه إلاَّ الموافقةُ في الإِعرابِ فلا يجوز : " استغفَرْتُ الذنبَ العظيمِ " بنصبِ " الذنبَ " وجَرِّ " العظيم " لجواز أنَّك تقولُ " من الذنب " ، ولا " اخْتَرْتُ زيداً الرجالَ الكرامِ " بنصبِ الرجالَ " وخَفْضِ الكرامِ " ، وكذلك لا يجوزُ اَنْ تقولَ : " استغفرتُ من الذنبِ العظيمَ " بنصبِ " العظيمَ " وكذلك في " اخْتَرْتُ " فلو كان حرفُ الجر زائداً جاز الإِتباعُ على موضعِ الاسمِ بشروطهِ المحررةِ في علمِ النحوِ تقول : " ما رأيتُ مِنْ رجلٍ عاقلاً " لأنَّ " مِنْ " زائدةٌ ، " ومِنْ رجل عاقلٍ " على اللفظِ ، ولا يجوز نَصْبُ " رجل " وجَرُّ " عاقل " على جوازِ مراعاةِ دخولِ " مِنْ " ، وإنْ وَرَدَ شيءٌ مِنْ ذلك فبابُه الشِّعْرُ " انتهى . ولا أَدْري كيف يُلْزِمُ الزمخشريَّ ما أَلْزَمَه به من جميعِ ِالمسائلِ التي ذكَرَها ، فإنَّ الزمخشريِّ يقول : إنَّ هذا بدلٌ مِمَّا قبلَه ، ثم ذَكَرَ مُسَوِّغَ دخولِ الباءِ في البدلِ : وهو أنَّ المُبْدَلَ منه يجوزُ دخولُ الباءِ عليه ، فلو حَلَّ البدلُ مَحَلَّ المبدلِ منه ومعه الباءُ ، لكان جائزاً ؛ لأنَّ العاملَ يتعَدَّى به ، وذَكَرَ مُسَوِّغاً لخُلُوِّ المبدلِ منه من الباءِ فقال : " لأنَّك تقول : حَدَّثْتُه كذا وحَدَّثْتُه بكذا " وأمَّا كَوْنُه يَمْتنعُ أَنْ تقولَ : " استغفَرتُ الذنبَ العظيمِ " بنَصْبِ " الذنبَ " وجرِّ " العظيمِ " إلى آخرِه ، فليس في كلامِ الزمخشريِّ شيءٌ منه البتةَ . ونظيرُ ما قاله الزمخشريُّ في بابِ " استغفر " أَنْ تقولَ " استغفرْتُ اللَّهَ ذنباً مِنْ شَتْمي زيداً " فقولك : " مِنْ شَتْمي " بدلٌ مِنْ " الذنب " وهذا جائزٌ لا مَحالةَ . قوله : { أَوْحَىٰ لَهَا } في هذه اللامِ أوجهٌ ، أحدُها : أنها بمعنى إلى ، وإنما أُوْثِرَتْ على " إلى " لموافقةِ الفواصلِ . وقال العجَّاج في وَصْف الأرض : @ 4614ـ أَوْحَى لها القرارَ فاستقرَّتِ وشَدَّها بالرَّاسياتِ الثُّبَّتِ @@ الثاني : أنَّها على أصلِها ، و " أَوْحىٰ " يتعدَّى باللامِ تارةً وبـ " إلى " أخرىٰ ، ومنه البيتُ المتقدمُ ، الثالث : أنَّ اللامَ على بابها من العلةِ ، والمُوحىٰ إليه محذوفٌ ، وهو الملائكةُ ، تقديرُه : أَوْحَىٰ إلى الملائكةِ لأجلِ الأرضِ ، أي : لأَجْلِ ما يَفْعَلون فيها .