Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-11)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { ٱلْقَارِعَةُ } اسم من أسماء القيامة ، سميت بها لأنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها ، وأصلُ القرع الضرب بشدة وقوة ، تقول العرب : قرعتهم القارعة وفقَرتهم الفاقرة ، إِذا وقع بهم أمر فظيع { ٱلْمَبْثُوثِ } المنتشر المتفرق { ٱلْعِهْنِ } الصوف ذو الألوان أو المصبوغ { الهَاوِيَةٌ } اسم لجهنم سميت بذلك لأنَّ الناس يهْوون بها أي يسقطون . التفسِير : { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } أي القيامة وأيُّ شيء هي القيامة ؟ إِنها في الفظاعة والفخامة بحيث لا يدركها خيال ، ولا يبلغها وهمُ انسان فهي أعظم من أن توصف أو تصوَّر ، ثم زاد في التفخيم والتهويل لشأنها فقال { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ؟ أي أيُّ شيء أعلمك ما شأن القارعة في هولها على النفوس ؟ إِنها لا تُفزع القلوب فحسب ، بل تؤثّر في الاجرام العظيمة ، فتؤثر في السماوات بالإِنشقاق ، وفي الأرض بالزلزلة ، وفي الجبال بالدكّ والنسف ، وفي الكواكب بالانتثار ، وفي الشمس والقمر بالتكوير والانكدار إِلى غير ما هنالك قال أبو السعود : سميت القيامة قارعة لأنها تقرع القلوب والأسماع بفنون الأهوال والأفزاع ، ووضع الظاهر موضع الضمير { مَا ٱلْقَارِعَةُ } تأكيداً للتهويل ، والمعنى أيُّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة ، ثم أكد هولها وفظاعتها بقوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ؟ ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق ، بحيث لا تكاد تنالها دراية أحد … وبعد هذا التخويف والتشويق إِلى معرفة شيءٍ من أحوالها ، جاء التوضيح والبيان بقوله تعالى { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } أي ذلك يحدث عندما يخرج الناسُ من قبورهم فزعين ، كأنهم فراش متفرق منتشر هنا وهناك ، يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع والحيرة قال الرازي : شبه تعالى الخلق وقت البعث هٰهنا بالفراش المبثوث ، وفي آية أُخرى بالجراد المنتشر ، أما وجه التشبيه بالفراش ، فلأن الفراش إِذا ثار لم يتجه إِلى جهةٍ واحدة ، بل كل واحدة منها تذهب إِلى غير جهة الأُخرى ، فدلَّ على أنهم إِذا بُعثوا فزعوا ، وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة ، يصبحون كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً ، فكذلك الناس إِذا بُعثوا يموج بعضُهم في بعض كالجراد والفراش كقوله تعالى { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } [ الكهف : 99 ] { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } هذا هو الوصف الثاني من صفات ذلك اليوم المهول أي وتصير الجبال كالصوف المنتثر المتطاير ، تتفرق أجزاؤها وتتطاير في الجو ، حتى تكون كالصوف المتطاير عند الندف قال الصاوي : وإِنما جمع بين حال الناس وحال الجبال ، تنبيهاً على أن تلك القارعة أثَّرت في الجبال العظيمة الصلبة ، حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة ، فكيف حال الإِنسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب ! ! ثم ذكر تعالى حالة الناس في ذلك اليوم ، وانقسامهم إِلى شقي وسعيد فقال { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } أي رجحت موازين حسناته ، وزادت حسناتُه على سيئاته { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } أي فهو في عيش هنيءٍ رغيد سعيد ، في جنان الخلد والنعيم { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } أي نقصت حسناته عن سيئاته ، أولم يكن له حسناتٌ يُعتدُّ بها { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أي فمسكنه ومصيره نار جهنم يهوي في قعرها ، سَّماها أُماً لأن الأم مأوى الولد ومفزعه ، فنار جهنم تؤوي هؤلاء المجرمين ، كما يأوي الأولاد إِلى أمهم ، وتضمهم إِليها كما تضم الأم الأولاد إِليها قال أبو السعود : { هَاوِيَةٌ } اسم من أسماء النار ، سميت بها لغاية عمقها وبعد مهواها ، روي أن أهل النار يهوون فيها سبعين خريفاً { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } ؟ استفهام للتفخيم والتهويل أي وما أعلمك ما الهاوية ؟ ثم فسَّرها بقوله { نَارٌ حَامِيَةٌ } أي هي نار شديدة الحرارة ، قد خرجت عن الحد المعهود ، فإِن حرارة أي نارٍ إِذا سُعرت وأُلقي فيها أعظم الوقود لا تعادل حرارة جهنم ، أجارنا الله منها بفضله وكرمه . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي : 1 - الاستفهام للتفخيم والتهويل { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ؟ { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } ؟ 2 - وضع الظاهر مكان الضمير للتخويف والتهويل { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَ } ؟ والأصل أن يقال : القارعة ما هي ؟ 3 - التشبيه المرسل المجمل { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه أي في الكثرة والانتشار ، والضعف والذلة ، ومثله { كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } أي في تطايرها وخفة سيرها فيسمى مرسلاً مجملاً . 4 - المقابلة { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ثم قابلها بقوله { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } وهو من المحسنات البديعية . 5 - المجاز العقلي { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } أي راضٍ بها صاحبها ففيه اسناد مجازي . 6 - الاحتباك وهو أن يحذف من كل نظير ما أثبته في الآخر فقوله تعالى { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } حذف من الأول ( فأمه الجنة ) وذكر فيها { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } وحذف من الآية الثانية ( فهو في عيشة ساخطة ) وذكر { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } فحذف من كلٍ نظير ما أثبته في الآخر ، وهو من المحسنات البديعية كذلك . 7 - توافق الفواصل في الحرف الأخير ، وهو واضح في السورة الكريمة . تنبيه : الجمهور على أن الميزان حقيقي له كفتان ولسان ، توزن فيه الصحف المكتوب فيها الحسنات والسيئات ، وروي عن ابن عباس أنه يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة ، وبالأعمال السيئة على صور قبيحة ، فتوضع في الميزان ، فمن رجحت حسناته سعد ، ومن رجحت سيئاته شقي ، والله أعلم .