Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { أَلْهَاكُمُ } الإِلهاء : الشغل والانصراف عن الشيء الهام إِلى ما يدعو إِليه الهوى ، وأصل اللهو الغفلةُ ثم شاع في كل شاغلٍ قال الراغب : اللهو ما يشغلك عما يعني ويهمُّ { ٱلتَّكَّاثُرُ } التباهي بكثرة المال والجاه وهو بمعنى المكاثرة { ٱلْمَقَابِرَ } القبور جمع مقبرة ، والقبور جمع القبر قال الشاعر : @ أرى أهل القُصور إِذا أُميتوا بَنَوْا فوق المقابر بالصخور أبو إِلاّ مباهاةً وفخراً على الفقراء حتى في القبور @@ التفسِير : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } أي شغلكم أيها الناسُ التفاخر بالأموال والأولاد والرجال عن طاعة الله ، وعن الاستعداد للآخرة { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي حتى أدرككم الموت ، ودفنتم في المقابر ، والجملةُ خيرٌ يراد به الوعظ والتوبيخ قال القرطبي : المعنى شغلكم المباهاة بكثرة المال والأولاد عن طاعة الله ، حتى مُتُّم ودفنتم في المقابر { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } زجرٌ وتهديدٌ أي ارتدعوا أيها الناس وانزجروا عن الاشتغال بما لا ينفع ولا يفيد ، فسوف تعلمون عاقبة جهلكم وتفريطكم في جنب الله ، وانشغالكم بالفاني عن الباقي { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعيدٌ إِثر وعيد ، زيادة في الزجر والتهديد أي سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إِذا نزل بكم الموت وعاينتم أهواله وشدائده قال ابن عباس : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما ينزل بكم من العذاب في القبر { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي في الآخرة إِذا حلَّ بكم العذاب { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي ارتدعوا وانزجروا فلو علمتم العلم الحقيقي الذي لا شك فيه ولا امتراء ، وجواب { لَوْ } محذوفٌ لقصد التهويل أي لو عرفتم ذلك لما ألهاكم التكاثر بالدنيا عن طاعة الله ، ولما خُدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها كما قال صلى الله عليه وسلم : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " الحديث قال في التسهيل : وجوابُ { لَوْ } محذوفٌ تقديره : لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة ، وإِنما حذف لقصد التهويل ، فيقدر السامع ، أعظم ما يخطر بباله كقوله تعالى { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ الأنعام : 27 ] { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } أي أُقسم وأؤكد بأنكم ستشاهدون الجحيم عياناً ويقيناً قال الألوسي : هذا جواب قسم مضمر ، أكد به الوعيد ، وشدَّد به التهديد ، وأوضح به ما أنذروه بعد إِبهامه تفخيماً أي والله لترون الجحيم { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } أي ثم لترونها رؤية حقيقية بالمشاهدة العينية قال في البحر : زاد التوكيد بقوله { عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } أي ثم لتسألنَّ في الآخرة عن نعيم الدنيا من الأمن والصحة ، وسائر ما يُتلذذ به من مطعم ، ومشرب ، ومركب ، ومفرش . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي : 1 - الوعظ والتوبيخ { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } فقد خرج الخبر عن حقيقته إِلى التذكير والتوبيخ . 2 - التكرار للتهديد والإِنذار { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعطفه بـ { ثُمَّ } للتنبيه على أن الثاني أبلغ من الأول ، كما يقول العظيم لعبده : أقول لك ثم أقول لك لا تفعل ، ولكونه أبلغ نُزّل منزلة المغايرة فعطف بثم . 3 - حذف جواب { لَوْ } للتهويل { لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي لرأيتم ما تشيب له الرءوس ، وتفزع له النفوس من الشدائد والأهوال . 4 - الإِطناب بتكرار الفعل { لَتَرَوُنَّ } { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا } لبيان شدة الهول . 5 - الكناية { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } كنَّى عن الموت بزيارة القبور والمراد حتى مُتُّم . 6 - المطابقة بين { ٱلنَّعِيمِ … ٱلْجَحِيمَ } . 7 - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات وهو من المحسنات البديعية . تنبيه : روى الترمذي عن عبد الله بن الشخِّير قال : " انتهيت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } فقال : " يقول ابن آدم مالي ، مالي ، وهل لك من مالك إِلا ما أكلت فأفنيتَ ، أو لبستَ فأبليتَ ، أو تصدقتَ فأمضيت " لطيفَة : روى مسلم عن أبي هريرة قال : " خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فإِذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال صلى الله عليه وسلم ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ قالا : الجوعُ يا رسول الله ، قال : وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ! فقوموا فقاموا معه ، فأتى رجلاً من الأنصار فإِذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحباً وأهلاً ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين فلان ! قالت : ذهب يستعذب لنا الماء ، إِذ جاء الأنصاري فنظر إِلى رسول الله وصاحبيه ثم قال : الحمد لله ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني ، فانطلق فجاءهم بعذق - عنقود - فيه بسر وتمر ورطب فقال : كلوا ، وأخذ المدية - السكين - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِياك والحلوب ! فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذْق وشربوا ، فلما شبعوا ورَووْا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيده لتسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " .