Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-4)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التفسِير : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ } هذه اللام متعلقة بالفعل الذي بعدها { فَلْيَعْبُدُواْ } ومعنى { لإِيلاَفِ } الإِلفُ والاعتياد يقال : ألف الرجل الأمر إِلفاً وإِلافاً ؛ وآلفه غيره إيلافاً والمعنى : من أجل تسهيل الله على قريش وتيسيره لهم ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إِلى اليمن ، وفي الصيف إِلى الشام كما قال تعالى : { رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } أي في رحلتي الشتاء والصيف ، حيث كانوا يسافرون للتجارة ، ويأتون بالأطعمة والثياب ، ويربحون في الذهاب والإِياب ، وهم آمنون مطمئنون لا يتعرض لهم أحد بسوء ، لأن الناس كانوا يقولون : هؤلاء جيرانُ بيت الله وسُكان حرمه ، وهم أهل الله لأنهم ولاة الكعبة ، فلا تؤذوهم ولا تظلموهم ، ولما أهلك الله أصحاب الفيل ، وردَّ كيدهم في نحورهم ، ازداد وقع أهل مكة في القلوب ، وازداد تعظيم الأمراء والملوك لهم ، فازدادت تلك المنافع والمتاجر ، فلذلك جاء الامتنان على قريش ، وتذكيرهم بنعم الله ليوحدوه ويشكروه { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } أي فليعبدوا الله العظيم الجليل ، ربَّ هذا البيت العتيق ، وليجعلوا عبادتهم شكراً لهذه النعمة الجليلة التي خصَّهم بها قال المفسرون : وإِنما دخلت الفاء { فَلْيَعْبُدُواْ } لما في الكلام من معنى الشرط كأنه قال : إِن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه من أجل إِيلافهم الرحلتين ، التي هي من أظهر نعمه عليهم ، لأنهم في بلادٍ لا زرع فيها ولا ضرع ، ولهذا قال بعده { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } أي هذا الإِله الذي أطعمهم بعد شدة جوع ، وآمنهم بعد شدة خوف ، فقد كانوا يسافرون آمنين لا يتعرض لهم أحد ، ولا يُغير عليهم أحد لا في سفرهم ولا في حضرهم كما قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] وذلك ببركة دعوة أبيهم الخليل إِبراهيم عليه السلام حيث قال { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } [ البقرة : 126 ] وقوله { وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } [ إبراهيم : 37 ] أفلا يجب على قريش أن يفردوا بالعبادة هذا الإِله الجليل ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ؟ ! البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق بين { ٱلشِّتَآءِ … وَٱلصَّيْفِ } وبين الجوع والإِطعام { أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } وبين الأمن والخوف { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } . 2 - الإِضافة للتكريم والتشريف { رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } . 3 - تقديم ما حقه التأخير { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } والأصل ( ليعبدوا ربَّ هذا البيت ، لإِيلافهم رحلة الشتاء والصيف ) فقدَّم الإِيلاف تذكيراً بالنعمة . 4 - التنكير في لفظة { جُوعٍ } ولفظة { خَوْفٍ } لبيان شدتهما أي جوع شديد ، وخوفٍ عظيم . تنبيه : قال الإِمام الفخر : إِعلم أنَّ الإِنعام على قسمين : أحدهما دفع ضر وهو ما ذكره في سورة الفيل ، والثاني : جلب النفع وهو ما ذكره في هذه السورة ، ولما دفع الله عنهم الضر ، وجلب لهم النفع ، وهما نعمتان عظيمتان أمرهم بالعبودية وأداء الشكر { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ … } الآيات .