Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { ٱلْكَوْثَرَ } الخير الكثير وهو مبالغة من الكثرة ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد ، والقدْر والخطر كوْثراً قال الشاعر : @ وأنت كثيرٌ يا ابن مروان طيّبٌ وكانَ أبوك ابنُ العقائل كوثرا @@ { ٱنْحَرْ } النحر خاصٌ بالإِبل ، وهو بمنزلة الذبح في البقر والغنم { شَانِئَكَ } الشانيء : المبغض من الشنآن بمعنى العداوة والبغض ومنه { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } [ المائدة : 2 ] أي بغضهم { ٱلأَبْتَرُ } المنقطع عن كل خير ، من البتر وهو القطعُ يقال : بترتُ الشيء بتراً قطعته ، والسيف الباترُ : القاطعُ ، ويقال للذي لا نسل له أبتر ، لأنه انقطع نسبه ، وسميت خطبة زياد بالخطبة البتراء لأنه لم يحمد الله فيها ولم يصلّ على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . التفسِير : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم تكريماً لمقامه الرفيع وتشريفاً أي نحن أعطيناك يا محمد الخير الكثير الدائم في الدنيا والآخرة ، ومن هذا الخير " نهر الكوثر " وهو كما ثبت في الصحيح " نهرٌ في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدُّر والياقوت ، تربتُه أطيبُ من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأبيض من الثلح ، من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً " عن أنس قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا ، إِذْ أغفى إِغفاءةً ثم رفع رأسه مبتسماً فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أُنزلت عليَّ آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } السورة ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال : فإِنه نهرٌ وعدنيه ربي عز وجل ، فيه خيرٌ كثير ، هو حوضٌ ترد عليه أُمتي يوم القيامة ، آنيتُه عدد النجوم ، فيختلج العبد - أي ينتزع ويقتطع منهم فأقول : إِنه من أمتي ! فيقال إِنك لا تدري ما أحدث بعدك " قال أبو حيان : وذكر في الكوثر ستةٌ وعشرون قولاً ، والصحيحُ هو ما فسره به رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : " هو نهرٌ في الجنة حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربتُه أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل " وعن ابن عباس : الكوثرُ : الخير الكثير { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } أي فصلِّ لربك الذي أفاض ما أفاض عليك من الخير خالصاً لوجهه الكريم ، وانحر الإِبل التي هي خيار أموال العرب شكراً له على ما أولاك ربك من الخيرات والكرامات قال في التسهيل : كان المشركون يصلون مكاءً وتصدية ، وينحرون للأصنام فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : صلِّ لربك وحده ، وانحر لوجهه لا لغيره ، فيكون ذلك أمراً بالتوحيد والإِخلاص { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } أي إِن مبغضك يا محمد هو المنقطع عن كل خير قال المفسرون : لما مات " القاسم " ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال العاص بن وائل : دعوه فإِنه رجلٌ أبتر لا عقب له - أي لا نسل له - فإِذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله تعالى هذه السورة ، وأخبر تعالى أن هذا الكافر هو الأبتر وإِن كان له أولاد ، لأنه مبتور من رحمة الله - أي مقطوع عنها - ولأنه لا يُذكر إِلا ذكر باللعنة ، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإِن ذكره خالد إِلى آخر الدهر ، مرفوع على المآذن والمنابر ، مقرون بذكر الله تعالى ، والمؤمنون من زمانه إِلى يوم القيامة أتباعه فهو كالوالد لهم صلوات الله وسلامه عليه . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي : 1 - صيغة الجمع الدالة على التعظيم { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ } ولم يقل : أنا أعطيتك . 2 - تصدير الجملة بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم { إِنَّآ } لأن أصلها إِنَّ ونحن . 3 - صيغة الماضي المفيدة للوقوع { أَعْطَيْنَاكَ } ولم يقل : سنعطيك لأن الوعد لما كان محققاً عبَّر عنه بالماضي مبالغة كأنه حدث ووقع . 4 - المبالغة في لفظه الكوثر . 5 - الإِضافة للتكريم والتشريف { فَصَلِّ لِرَبِّكَ } . 6 - إِفادة الحصر { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } . 7 - المطابقة بين أول السورة وآخرها بين { ٱلْكَوْثَرَ } و { ٱلأَبْتَرُ } فالكوثر الخير الكثير ، والأبتر المنقطع عن كل خير ، فهذه السورة على وجازتها جمعت فنون البلاغة والبيان فسبحان منزل القرآن ! !