Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-5)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { تَبَّتْ } هلكت والتبابُ : الهلاك والخسران ومنه قوله تعالى { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } [ غافر : 37 ] وقال الشاعر : @ " فتباً للذي صنعوا " @@ { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتلهب { جِيدِهَا } عنقها قال امرؤ القيس : @ " وجيدٍ كجيد الريم ليس بفاحش " @@ { مَّسَدٍ } ليف قال الواحدي : المسد في كلام العرب : الفتل ، يقال مسد الحبل يمسده مسداً إِذا أجاد فتله ، وكلُّ شيء فتل من الليف والخَوْص فهو مسد . سبَبُ النّزول : عن ابن عباس قال : " لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى : يا بني فهر ، يا بني عدي ، لبطون من قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إِذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو الخبر ، فاجتمعت قريش وجاء عمه " أبو لهب " فقالوا : ما وراءك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدِّقي ؟ قالوا : نعم ما جربنا عليك كذباً قط ، قال : فإِني { نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } فقال له أبو لهب : تباً لك يا محمد سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } … " السورة . ب - وعن طارق المحاربي قال " بينا أنا بسوق ذي المجاز إِذْ أنا بشاب حديث السن يقول أيها الناس : " قولوا لا إِله إِلا الله تفلحوا " وإِذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه - مؤخر القدم - ويقول : يا أيها الناس إِنه كذابٌ فلا تصدقوه ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي ، وهذا عمه " أبو لهب " يزعم أنه كذاب " . التفسِير : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي هلكت يد ذلك الشقي { أَبِي لَهَبٍ } وخاب وخسر وضلَّ عمله { وَتَبَّ } أي وقد هلك وخسر ، الأول دعاءٌ ، والثاني إِخبارٌ كما يقال : أهلكه اللهُ وقد هلك قال المفسرون : التباب هو الخسار المفضي إِلى الهلاك ، والمراد من اليد صاحبُها ، على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه ، وأبو لهب هو " عبد العُزى بن عبد المطلب " عم النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته العوراء " أم جميل " أخت أبي سفيان ، وقد كان كلٌ منهما شديد العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، وفي يدها فهْر - قطعة - من الحجارة ، فلما دنت من الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الله بصرها عنه فلم تر إِلاّ أبا بكر ، فقالت يا أبا بكر : بلغني أن صاحبك يهجوني ، فوالله لو وجدته لضربت بهذا الحجر فاه ، ثم أنشدت تقول : @ مُذمًّماً عصينَا وأمره أبينَا ودينه قليْنا @@ ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله : أما تراها رأتك ؟ قال : ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني ، وكانت قريش يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون : مذمماً بدل " محمد " وكان يقول صلوات الله عليه : ألا تعجبون كيف صرف الله عني أذى قريش ؟ يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد ! ؟ قال الخازن : فإِن قلت : لم كناه وفي التكنية تشريف وتكرمة ؟ فالجواب من وجوه : أحدهما : أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم ، فلو ذكره باسمه لم يعرف ، الثاني : أنه كان اسمه " عبد العزى " فعدل عنه إِلى الكنية لما فيه من الشرك لأن العزَّى صنم فلم تضف العبودية إِلى صنم - الثالث : أنه لما كان من أهل النار ، ومآله إِلى النار ، والنارُ ذاتُ لهب ، وافقت حاله كنيته وكان جديراً بأن يذكر بها { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي لم يفده ماله الذي جمعه ، ولا جاهه وعزه الذي اكتسبه قال ابن عباس { وَمَا كَسَبَ } من الأولاد ، فإِن ولد الرجل من كسبه … روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إِلى الإِيمان ، قال أبو لهب : إِن كان ما يقول ابن أخي حقاً ، فإِني أفتدي نفسي من العذاب بمالي وولدي فنزلت قال الألوسي : كان لأبي لهب ثلاثة أبناء " عُتبة " و " معتب " و " عُتيبة " وقد أسلم الأولان يوم الفتح ، وشهدا حنيناً والطائف ، وأما " عُتيبة " فلم يسلم ، وكانت " أم كلثوم " بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده ، وأختها " رُقية " عند أخيه عُتبة ، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما : رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد ، فطلقاهما ولما أراد " عُتيبة " بالتصغير الخروج إلى الشام مع أبيه قال : لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد : إِني كافر بالنجم إِذا هوى ، وبالذي دنا فتدلى ، ثم تفل أمام النبي صلى الله عليه وسلم وطلَّق ابنته " أم كلثوم " فغضب صلى الله عليه وسلم ودعا عليه فقال : " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " فافترسه الأسد ، وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى " العدسة " وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن ، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه ، فكان الأمر كما أخبر به القرآن { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي سيدخل ناراً حامية ، ذات اشتعال وتوقُّد عظيم ، وهي نار جهنم { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي وستدخل معه نار جهنم ، امرأته العوراء " أم جميل " التي كانت تمشي بالنميمة بين الناس ، وتوقد بينهم نار العداوة والبغضاء قال أبو السعود : كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لإِيذائه وقال ابن عباس : كانت تمشي بالنميمة بين الناس لتفسد بينهم { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبلٌ من ليف قد فتل فتلاً شديداً ، تعذب به يوم القيامة قال مجاهد : هو طوقٌ من حديد وقال ابن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللاتِ والعُزَّى لأنفقنها في عداوة محمد ، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي : 1 - المجاز المرسل { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أطلق الجزء وأراد الكل أي هلك أبو لهب . 2 - الجناس بين { أَبِي لَهَبٍ } وبين { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } فالأول كنية والثاني وصف للنار . 3 - الكنية للتصغير والتحقير { أَبِي لَهَبٍ } فليس المراد تكريمه بل تشهيره ، كأبي جهل . 4 - الاستعارة اللطيفة { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } مستعار للنميمة وهي استعارة مشهورة قال الشاعر : " ولم يمش بين الحي بالحطب والرطب . 5 - النصب على الشتم والذم { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي أخص بالذم حمالة الحطب . 6 - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات وهو من المحسنات البديعية .