Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 112, Ayat: 1-4)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { ٱلصَّمَدُ } السيد المقصود في قضاء الحاجات قال الشاعر : @ ألا بكَّر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد @@ { كُفُواً } الكُفُوءُ : النظير والشبيه قال أبو عبيدة : يقال : كفُو ، وكفء ، وكفاء كلها بمعنى واحد وهو المِثْل والنظير . سَبَبُ النّزول : روي أن بعض المشركين جاءوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد صف لنا ربَّك ، أمن ذهبٍ هو ، أم من فضة ، أم من زبرجد ، أم من ياقوت ؟ ! فنزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ … } السورة . التفسِير : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين : إِن ربي الذي أعبده ، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له ، ولا شبيه له ولا نظير ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فهو جل وعلا واحد أحد ، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث " الآب ، والابن ، وروح القدس " ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة قال في التسهيل : واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ ، كلها صحيحة في حقه تعالى : الأول : أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد ، والثاني : أنه واحد لا نظير ولا شريك له ، كما تقول : فلان واحد في عصره أي لا نظير له والثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض ، والمراد بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين ، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى ، وذلك كثير جداً ، وأوضحها أربعة براهين : الأول ؛ قوله تعالى { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] - وهذا دليل الخلق والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات ، لم يصح أن يكون واحد منها شريكاً له والثاني : قوله تعالى { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] - وهو دليل الإِحكام والإِبداع - الثالث : قوله تعالى { لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإِسراء : 42 ] - وهو دليل القهر والغلبة - الرابع : قوله تعالى { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] - وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق فقال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام ، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال الألوسي : الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد ، الذي يصمدُ إِليه - أي يلجأ إِليه - الناسُ في حوائجهم وأمورهم { لَمْ يَلِدْ } أي لم يتخذ ولداً ، وليس له أبناء وبنات ، فكما هو متصف بالكمالات ، منزَّه عن النقائص قال المفسرون : في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً ، كاليهود في قولهم { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] والنصارى في قولهم { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] وكمشركي العرب في زعمهم أن ( الملائكة بنات الله ) فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد ، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده ، والله تعالى أزلي قديم ، ليس كمثله شيء ، فلا يمكن أن يكون له ولد ، ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة ، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } [ الأنعام : 101 ] ؟ ! { وَلَمْ يُولَدْ } أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ ، لأن كل مولود حادث ، والله تعالى قديم أزلي ، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد ، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات ، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده ، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي وليس له جل وعلا مثيلٌ ، ولا نظير ، ولا شبيه أحدٌ من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] قال ابن كثير : هو مالك كل شيء وخالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه ، أو قريب يدانيه ؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه ، وفي الحديث القدسي " يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إِياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته ، وأما شتمه إِياي فقوله : اتخذ الله ولداً ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد " . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي : 1 - ذكر الاسم الجليل بضمير الشأن { قُلْ هُوَ } للتعظيم والتفخيم . 2 - تعريف الطرفين { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لإِفادة التخصيص . 3 - الجناس الناقص { لَمْ يَلِدْ } { وَلَمْ يُولَدْ } لتغير الشكل وبعض الحروف . 4 - التجريد فإِن قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الكفء والولد ، وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } هو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في العموم وذلك زيادة في الايضاح والبيان . 5 - السجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } . لطيفَة : هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات ، وقد جاءت في غاية الإِيجاز والإِعجاز ، وأوضحت صفات الجلال والكمال ، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص ، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية ، ونفت التعدد { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وأثبتت الثانية كماله تعالى ، ونفت النقص والعجز { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وأثبتت الرابعة عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فالسورة إِثبات لصفات الجلال والكمال ، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص . فَائِدَة : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فكأنما قرأ بثلث القرآن " قال العلماء : وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف ، فإِن علوم القرآن ثلاثة : " توحيد ، وأحكام وقصص " وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد ، فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار ، وقيل : إِن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن ، والله أعلم .