Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 35-43)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى ما أعدَّ للكفار في الآخرة ذكر ما أعد للمؤمنين في جنات النعيم ، ثم توعد المشركين بالعذاب الأليم ، وختم السورة الكريمة ببيان صدق رسالته عليه السلام بشهادة الله تعالى وشهادة المؤمنين من أهل الكتاب . اللغَة : { ٱلأَحْزَابِ } الطوائف المتفرقة من أحزاب اليهود والنصارى سموا بذلك لأنهم جماعات متفرقة لا تجمعهم عقيدة واحدة { مَآبِ } أي مآبي بمعنى مرجعي { يَمْحُواْ } المحو : إزالة الأثر من كتابة أو غيرها وعكسه الإِثبات { أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أصل كل الكتب والمراد منه علم الله أو اللوح المحفوظ { ٱلْبَلاَغُ } اسم بمعنى التبليغ { مَكَرَ } المكرُ : تدبير أمرٍ في خفاء ، وقد يكون في الخير وقد يكون في الشر . سَبَبُ النّزول : قال الكلبي : عيَّرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : ما نرى لهذا الرجل مهمة إلا النساء والنكاح ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } . التفسير : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي صفة الجنة العجيبة الشأن التي وعد الله بها عباده المتقين أنها تجري من تحت قصورها وغرفها الأنهار { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } أي ثمرها دائم لا ينقطع ، وظلُّها دائم لا تنسخه الشمس { تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي تلك الجنة عاقبة المتقين ومآلهم { وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ } أي وأما عاقبة الكفار الفجار فهي النار { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } أي والذين أنزلنا إليهم التوراة والإِنجيل - ممن آمن بك واتبعك يا محمد - كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه يفرحون بهذا القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } أي ومن أهل الملل المتحزبين عليك وهم أهل أديان شتى من ينكر بعض القرآن مكابرة مع يقينهم بصدقه لأنه موافق لما معهم { قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ } أي قل يا محمد إنما أُمرتُ بعبادة الله وحده لا أشركُ معه غيره { إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } أي إلى عبادته أدعو الناس وإليه مرجعي ومصيري { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً } أي ومثل إنزال الكتب السابقة أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب لتحكم به بين الناس { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي ولئن اتبعتَ المشركين فيما يدعونك إليه من الأهواء والآراء بعدما آتاك الله من الحجج والبراهين { مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } أي ليس لك ناصرٌ ينصرك أو يقيك من عذاب الله ، والمقصود تحذير الأمة من اتباع أهواء الناس لأن المعصوم إذا خوطب بمثل ذلك كان الغرض تحذير الناس قال القرطبي : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } أي أرسلنا قبلك الرسل الكرام { وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } أي وجعلنا لهم النساء والبنين ، وهو ردٌّ على من عاب على الرسول صلى الله عليه وسلم كثرة النساء وقالوا : لو كان مرسلاً حقاً لكان مشتغلاً بالزهد وترك الدنيا والنساء ، فردَّ الله مقالتهم وبيَّن أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببدعٍ في ذلك ، بل هو كمن تقدم من الرسل { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي لم يكن لرسولٍ أن يأتي قومه بمُعجزة إلا إذا أذن الله له فيها ، وهذا ردٌّ على الذين اقترحوا الآيات { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي لكل مدةٍ مضروبة كتابٌ كتبه الله في اللوح المحفوظ ، وكلُّ شيء عنده بمقدار قال الطبري : لكل أمر قضاه الله كتابٌ قد كتبه فهو عنده { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } أي ينسخ الله ما يشاء نسخه من الشرائع والأحكام وصحف الملائكة الكرام ، ويثبتُ ما يشاء منها دون تغيير قال ابن عباس : يبدّل الله ما يشاء فينسخه إلا الموتَ والحياة والشقاء والسعادة فإنه قد فرغ منها وقيل : إن المحو والإِثبات عامٌ في جميع الأشياء لما روي أن عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويبكي ويقول : اللهمَّ إن كنتَ كتبت عليَّ شقوةً أو ذنباً فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمُّ الكتاب ، واجعله سعادةً ومغفرة ، وقد رجحه أبو السعود وهو قول ابن مسعود أيضاً { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقاديرَ الأشياء ِ كلَّها { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } أي وإن أريناك يا محمد بعض الذي وعدناهم من العذاب { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } أي نقبضك قبل أن نقر عينك بعذاب هؤلاء المشركين { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } أي ليس عليك إلا تبليغ الرسالة وعلينا حسابهم وجزاؤهم { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أي أولمْ ير هؤلاء المشركون أنّا نمكّن للمؤمنين من ديارهم ونفتح للرسول الأرض بعد الأرض حتى تنقص دار الكفر وتزيد دار الإِسلام ؟ وذلك من أقوى الأدلة على أن الله منجزٌ وعده لرسوله عليه السلام { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } أي ليس يتعقب حكمه أحد بنقضٍ ولا تغيير { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي سريع الانتقام ممن عصاه { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مكر الكفار الذين خَلَوْا بأنبيائهم كما مكر كفار قريش بك { فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } أي له تعالى أسباب المكر جميعاً لا يضر مكرهم إلا بإرادته ، فهو يوصل إليهم العذاب من حيث لا يعلمون { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } أي من خير وشر فيجازي عليه { وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } أي لمن تكون العاقبة الحسنة في الآخرة { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً } أي يقول كفار مكة لستَ يا محمد مرسلاً من عند الله { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي حسبي شهادة الله بصدقي بما أيدني من المعجزات { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } أي وشهادة المؤمنين من علماء أهل الكتاب . البَلاَغَة : في الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي : 1 - التشبيه في قوله { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ } [ الرعد : 30 ] وفي { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ } ويسمى مرسلاً مجملاً . 2 - الإِيجاز بالحذف في { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } أي وظلها دائم حذف منه الخبر بدليل السابق . 3 - المقابلة في { تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ } وهو من المحسنات البديعية . 4 - جناس الاشتقاق في { أَرْسَلْنَا رُسُلاً } . 5 - الطباق في { يَمْحُواْ … وَيُثْبِتُ } . 6 - القصر في { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ } وفي { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ } وكلاهما قصرٌ إضافي من باب قصر الموصوف على الصفة أي ليس لك من الصفات إلا صفة التبليغ . 7 - التهييج والإِلهاب { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم } . 8 - المجاز المرسل في { نَأْتِي ٱلأَرْضَ } أي يأتيها أمرنا وعذابنا . لطيفَة : فسَّر بعضهم قوله تعالى { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أن نقصانها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير والصلاح ، وهذا مرويٌ عن مجاهد وابن عباس في رواية عنه وأنشد بعضهم :