Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 1-5)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التفسِير : ابتدأت السورة الكريمة بذكر أوصاف المتقين ، وابتداء السورة بالحروف المقطعة { الۤمۤ } وتصديرها بهذه الحروف الهجائية يجذب أنظار المعرضين عن هذا القرآن ، إِذ يطرق أسماعهم لأول وهلة ألفاظٌ غير مألوفة في تخاطبهم ، فينتبهوا إِلى ما يُلقى إِليهم من آياتٍ بينات ، وفي هذه الحروف وأمثالها تنبيهٌ على " إِعجاز القرآن " فإِن هذا الكتاب منظومٌ من عين ما ينظمون منه كلامهم ، فإِذا عجزوا عن الإِتيان بمثله ، فذلك أعظم برهان على إِعجاز القرآن . يقول العلامة ابن كثير رحمه الله : إِنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور بياناً لإِعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ، وهو قول جمع من المحققين ، وقد قرره الزمخشري في تفسيره الكشاف ونصره أتم نصر ، وإِليه ذهب الإِمام " ابن تيمية " ثم قال : ولهذا كلُّ سورة افتتحت بالحروف ، فلا بدَّ أن يذكر فيها الانتصار للقرآن ، وبيانُ إِعجازه وعظمته مثل { الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } { الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 1 - 2 ] { الۤـمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } [ لقمان : 1 - 2 ] { حمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [ الدخان : 1 - 3 ] وغير ذلك من الآيات الدالة على إِعجاز القرآن . ثم قال تعالى { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي هذا القرآن المنزل عليك يا محمد هو الكتابُ الذي لا يدانيه كتاب { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك في أنه من عند الله لمن تفكر وتدبر ، أو ألقى السمع وهو شهيد { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي هادٍ للمؤمنين المتقين ، الذين يتقون سخط الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ويدفعون عذابه بطاعته ، قال ابن عباس : المتقون هم الذين يتقون الشرك ، ويعملون بطاعة الله ، وقال الحسن البصري : اتقوا ما حُرِّم عليهم ، وأدَّوْا ما افتُرض عليهم … ثم بيَّن تعالى صفات هؤلاء المتقين فقال { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } أي يصدقون بما غاب عنهم ولم تدركه حواسهم من البعث ، والجنة ، والنار ، والصراط ، والحساب ، وغير ذلك من كل ما أخبر عنه القرآن أو النبي عليه الصلاة والسلام { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } أي يؤدونها على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها ، وخشوعها وآدابها قال ابن عباس : إِقامتُها : إِتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } أي ومن الذي أعطيناهم من الأموال ينفقون ويتصدقون في وجوه البر والإِحسان ، والآية عامة تشمل الزكاة ، والصدقة ، وسائر النفقات ، وهذا اختيار ابن جرير ، وروي عن ابن عباس أن المراد بها زكاة الأموال ، قال ابن كثير : كثيراً ما يقرن تعالى بين الصلاة والإِنفاق من الأموال ، لأن الصلاة حقُّ الله وهي مشتملة على توحيده وتمجيده والثناء عليه ، والإِنْفاقُ هو الإِحسان إِلى المخلوقين وهو حق العبد ، فكلٌ من النفقات الواجبة ، والزكاة المفروضة داخل في الآية الكريمة { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } أي يصدقون بكل ما جئت به عن الله تعالى { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } أي وبما جاءت به الرسل من قبلك ، لا يفرّقون بين كتب الله ولا بين رسله { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أي ويعتقدون اعتقاداً جازماً لا يلابسه شك أو ارتياب بالدار الآخرة التي تتلو الدنيا ، بما فيها من بعثٍ وجزاءٍ ، وجنةٍ ، ونار ، وحساب ، وميزان ، وإِنما سميت الدار الآخرة لأنها بعد الدنيا { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } أي أولئك المتصفون بما تقدم من الصفات الجليلة ، على نور وبيان وبصيرة من الله { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي وأولئك هم الفائزون بالدرجات العالية في جنات النعيم . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - المجاز العقلي { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أسند الهداية للقرآن وهو من الإِسناد للسبب ، والهادي في الحقيقة هو الله ربُّ العالمين ففيه مجاز عقلي . 2 - الإِشارة بالبعيد عن القريب { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } للإِيذان بعلو شأنه ، وبعد مرتبته في الكمال ، فنُزِّل بُعْد المرتبة منزلة البعد الحسي . 3 - تكرير الإِشارة { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى } { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } للعناية بشأن المتقين ، وجيء بالضمير { هُمُ } ليفيد الحصر كأنه قال : هم المفلحون لا غيرهم . 4 - التيئيس من إِيمان الكفار { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } فالجملة سيقت للتنبيه على غلوهم في الكفر والطغيان ، وعدم استعدادهم للإِيمان ، ففيها تيئيس وإِقناط من إِيمانهم . 5 - الاستعارة التصريحية اللطيفة { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } شبَّه قلوبهم لتأبّيها عن الحق ، وأسماعهم وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية ، بالوعاء المختوم عليه ، المسدود منافذه ، المغشَّى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه ، واستعار لفظ الختم والغشاوة لذلك بطريق الاستعارة التصريحية .