Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 231-232)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن أحكام الطلاق وتوضّح طريقته وشروطه وآدابه وتنهى عن الإِيذاء والإِضرار فوجه المناسبة إِذاً ظاهر . اللغَة : { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي قاربن من الانتهاء من العدة . { ضِرَاراً } أي بقصد الإِضرار ، قال القفال : الضرّار هو المضارّة كقوله : { مَسْجِداً ضِرَاراً } [ التوبة : 107 ] أي ليضاروا المؤمنين . { تَعْضُلُوهُنَّ } العضل : المنع والتضييق يقال : أعضل الأمر أي أشكل وضاقت فيه الحيل وداء عُضال أي عسير أعيا الأطباء ، قال الأزهري : وأصله من عضلت الناقة إِذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه . { يُوعَظُ بِهِ } يوصى ويؤمر به . { أَزْكَىٰ } أنمى وأنفع يقال : زكا الزرع إِذا نما بكثرةٍ وبركة . { وَأَطْهَرُ } الطهارة : التنزه عن الدَّنس والمعاصي . سَبَبُ النّزول : روي أنّ " معقل بن يسار " زوَّج أخته رجلاً من المسلمين على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدّة ، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطّاب فقال له : يا لُكَع ، أي " يا لئيم " أكرمتك بها وزوجتك فطلقتها ! ! والله لا ترجع إِليك أبداً فعلم الله حاجته إِليها وحاجتها إِلى بعلها فأنزل الله { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ … } الآية فلما سمعها معقل قال : سمعاً لربي وطاعة ثم دعاه فقال : أزوجك وأكرمك . التفسِير : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي إِذا طلقتم يا معشر الرجال النساء طلاقاً رجعياً وقاربن انقضاء العدة { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي فراجعوهنّ من غير ضرار ولا أذى أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن بإِحسان من غير تطويل العدّة عليهن { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } أي لا تراجعوهن إِرادة الإِضرار بهنّ لتظلموهن بالإِلجاء إِلى الافتداء ، وفيه زجرٌ لما كان عليه الناس حيث كان الزوج يترك المعتدة حتى إِذا شارفت انقضاء العدّة يراجعها للإِضرار بها ليطوّل عليها العدّة لا للرغبة فيها { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } أي من يمسكها للإِضرار بها أو ليكرهها على الافتداء فقد ظلم بذلك العمل نفسه لأنه عرّضها لعذاب الله { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } أي لا تهزؤوا بأحكام الله وأوامره ونواهيه فتجعلوا شريعته مهزوءاً بها بمخالفتكم لها { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ } أي اذكروا فضل الله عليكم بهدايتكم للإِسلام وما أنعم به عليكم من القرآن العظيم والسنّة المطهّرة { يَعِظُكُمْ بِهِ } أي يرشدكم ويذكّركم بكتابه وهدي رسوله إِلى سعادتكم في الدارين { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي خافوا الله وراقبوه في أعمالكم واعلموا أنه تعالى لا تخفى عليه خافية من أحوالكم ثم أمر تعالى الأولياء بعدم عضل النساء الراغبات في العودة إِلى أزواجهن فقال : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي إِذا طلقتم النساء وانقضت عدتهن { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي فلا تمنعوهن يا معشر الأولياء من العودة لأزواجهن إِذا صلحت الأحوال بين الزوجين وظهرت أمارات الندم ورضي كل منهما إِلى العودة لصاحبه والسير بما يرضي الله { ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي ما نهيتكم عنه من الإِضرار والعضل يُنصح به ويوعظ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لأنه هو المنتفع بالمواعظ الشرعية { ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ } أي الاتعاظ بما ذكر والتمسك بأوامر الله خير وأنفع لكم وأطهر من الآثام وأوضار الذنوب { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي والله يعلم ما هو أصلح لكم من الأحكام والشرائع وأنتم لا تعلمون ذلك ، فامتثلوا أمره تعالى ونهيه في جميع ما تأتون وما تذرون . البَلاَغَة : 1 - { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي قاربن انقضاء عدتهن أُطلق اسم الكل على الأكثر فهو مجاز مرسل لأنه لو انقضت العدّة لما جاز له إِمساكها والله تعالى يقول : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } . 2 - { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ } هو من باب عطف الخاص على العام لأن النعمة يراد بها نعم الله والكتاب والسنّة من أفراد هذه النعم . 3 - { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بين كلمة " اعلموا " و " عليم " من المحسنات البديعية ما يسمى بجناس الاشتقاق . 4 - { أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } يراد بأزواجهن " المطلقين " لهن فهو من باب المجاز المرسل والعلاقة اعتبار ما كان . فَائِدَة : قال الإِمام الفخر : الحكمة في إِثبات حق الرجعة أنّ الإِنسان ما دام مع صاحبه لا يدري هل تشقُّ عليه المفارقة أو لا ؟ فإِذا فارقه فعند ذلك يظهر ، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعةً من الرجوع لعظمت المشقة على الإِنسان إِذ قد تظهر المحبة بعد المفارقة ، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة أثبت تعالى حق المراجعة مرتين ، وهذا يدل على كمال رحمته تعالى ورأفته بعباده .