Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-257)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لمّا ذكر تعالى تفضيل بعض الأنبياء على بعض ، وبيّن أن الخلائق قد اختلفوا من بعدهم وتنازعوا وتقاتلوا بسبب الدين ، ذكر أن هذا التفضيل بين الأنبياء لا يستدعي الصراع بين الأتباع ولا الخصام والنزاع ، فالرسل صلوات الله عليهم وإِن كانوا متفاوتين في الفضل إِلا أنهم جميعاً جاءوا بدعوةٍ واحدة هي " دعوة التوحيد " فرسالتهم واحدة ودينهم واحد ، وأنه لا إِكراه في الدين فقد سطع نور الحق وأشرق ضياؤه . اللغَة : { ٱلْحَيُّ } ذو الحياة الكاملة ومعناه الباقي الدائم الذي لا سبيل للفناء عليه { ٱلْقَيُّومُ } القائم بتدبير الخلق { سِنَةٌ } بكسر السين النعاس وهو ما يسبق النوم من فتور قال الشاعر : @ وسنان أقصده النعاس فرنَّقت في عينه سِنةٌ وليس بنائم @@ { يَؤُودُهُ } يثقله ويتعبه { ٱلْعَلِيُّ } المراد علو المنزلة والشأن الذي تعالى في جلاله وعظم في سلطانه { إِكْرَاهَ } الإِكراه : حمل الشخص على ما يكره بطريق القسر والجبر { ٱلطَّاغُوتُ } من الطغيان وهو كل ما يطغي الإِنسان ويضله عن طريق الحقِ والهدى { ٱلْوُثْقَىٰ } مؤنث الأوثق وهو الشيء المحكم الموثق { ٱنفِصَامَ } الانفصام : الانكسار قال الفراء : الانفصام والانقصام لغتان وبالفاء أفصح وقال بعضهم : الفصم انكسار بغير بينونة والقصم انكسار ببينونة . سَبَبُ النّزول : كان لرجلٍ من الأنصار ابنان تنصّرا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدما المدينة في نفرٍ من التجار يحملون الزيت ، فلزمهما أبوهما وقال : لا أدعكما حتى تسلما فنزلت { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } . الآية . التفسِير : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } أي هو الله جل جلاله الواحد الأحد الفرد الصمد ، ذو الحياة الكاملة ، الباقي الدائم الذي لا يموت ، القائم على تدبير شئون الخلق بالرعاية والحفظ والتدبير { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } أي لا يأخذه نعاسٌ ولا نوم كما ورد في الحديث " إنَّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه " ، { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي جميع ما في السماوات والأرض ملكه وعبيده وتحت قهره وسلطانه { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي لا أحد يستطيع أن يشفع لأحد إِلا إِذا أذن له الله تعالى قال ابن كثير : وهذا بيانٌ لعظمته وجلاله وكبريائه بحيث لا يتجاسر أحد على الشفاعة إِلا بإِذن المولى { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي يعلم ما هو حاضر مشاهد لهم وهو الدنيا وما خلفهم أي أمامهم وهو الآخرة فقد أحاط علمه بالكائنات والعوالم { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } أي لا يعلمون شيئاً من معلوماته إِلا بما أعلمهم إِيّاه على ألسنة الرسل { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي أحاط كرسيّه بالسماوات والأرض لبسطته وسعته ، والسماواتُ السبع والأرضون بالنسبة للكرسي كحلقةٍ ملقاةٍ في فلاة ، وروي عن ابن عباس { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ } قال : علمه بدلالة قوله تعالى { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } [ غافر : 7 ] فأخبر أن علمه وسع كل شيء وقال الحسن البصري : الكرسي هو العرش قال ابن كثير : والصحيح أن الكرسي غير العرش وأن العرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } أي لا يثقله ولا يعجزه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما وهو العلي فوق خلقه ذو العظمة والجلال كقوله { ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } [ الرعد : 9 ] { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } أي لا إِجبار ولا إِكراه لأحد على الدخول في دين الإِسلام ، فقد بان ووضح الحق من الباطل والهدى من الضلال { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } أي من كفر بما يعبد من غير الله كالشيطان والأوثان وآمن بالله فقد تمسك من الدين بأقوى سبب { لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } أي لا انقطاع لها ولا زوال { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي سميع لأقوال عباده عليم بأفعالهم { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي الله ناصر المؤمنين وحافظهم ومتولي أمورهم ، يخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة إِلى نور الإِيمان والهداية { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } أي وأما الكافرون فأولياؤهم الشياطين يخرجونهم من نور الإِيمان إِلى ظلمات الشك والضلال { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي ماكثون في نار جهنم لا يخرجون منها أبداً . البَلاَغَة : 1 - في آية الكرسي أنواعٌ من الفصاحة وعلم البيان منها حسنُ الافتتاح لأنها افتتحت بأجل أسماء الله تعالى ، وتكرار اسمه ظاهراً ومضمراً في ثمانية عشر موضعاً ، والإِطناب بتكرير الصفات ، وقطعُ الجمل حيث لم يصلها بحرف العطف ، والطباقُ في { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أفاده صاحب البحر المحيط . 2 - { ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } استعارة تمثيلية حيث شبه المستمسك بدين الإِسلام بالمستمسك بالحبل المحكم ، وعدم الانفصام ترشيحٌ . 3 - { مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } استعارة تصريحية حيث شبه الكفر بالظلمات والإِيمان بالنور قال في تلخيص البيان : وذلك من أحسن التشبيهات لأن الكفر كالظلمة التي يتسكع فيها الخابط ويضل القاصد ، والإِيمان كالنور الذي يؤمه الجائر ويهتدي به الحائر ، وعاقبة الإِيمان مضيئة بالنعيم والثواب ، وعاقبةُ الكفر مظلمة بالجحيم والعذاب . فَائِدَة : أفرد النور وجمع الظلمات لأن الحق واحد لا يتعدد وأما طرق الضلال فكثيرة ومتشعبة . تنبيه : آية الكرسي لها شأن عظيم وقد صحّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل آية في كتاب الله وفيها اسم الله الأعظم كما جاء في الحديث الشريف : " اسم الله الأعظم الذي إِذا دُعى به أجاب في ثلاث : سورة البقرة وآل عمران وطه " قال هشام : أما البقرة فقوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } وفي آل عمران { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ الآيات : 1 - 2 ] وفي طه { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } [ الآية : 111 ] قال ابن كثير : وقد اشتملت على عشر جملٍ مستقلة ، متعلقة بالذات الإِلهية وفيها تمجيد الواحد الأحد .