Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-283)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى الربا وبيَّن ما فيه من قباحة وشناعة ، لأنه زيادة مقتطعة من عرق المدين ولحمه وهو كسب خبيث يمقته الإِسلام ويحرمه ، أعقبه بذكر القرض الحسن بلا فائدة وذكر الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن ، وكلها طرق شريفة لتنمية المال وزيادته بما فيه صلاح الفرد والمجتمع ، وآية الدين أطول آيات القرآن على الإِطلاق مما يدل على عناية الإِسلام بالنظم الاقتصادية . اللغَة : { وَلْيُمْلِلِ } من الإِملاء وهو أنْ يُلقي عليه ما يكتبه يقال : أملَّ وأملى { يَبْخَسْ } البخس : النقص { تَسْأَمُوۤا } السأم والسآمة : الملل من الشيء والضجر منه { أَقْسَطُ } القِسط : بكسر القاف العَدْل يقال : أقسط الرجل إِذا عدل ، وبفتح القاف الجورُ يقال : قسط أي جار ومنه { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] { تَضِلَّ } قال أبو عبيد : معنى تضل أي تنسى والضلال عن الشهادة نسيان جزءٍ منها { أَدْنَىٰ } أقرب { تَرْتَابُوۤاْ } تشكوا من الريب بمعنى الشك { فَرِهَانٌ } جمع رهن وهو ما يدفع إلى الدائن توثيقاً للدين . التفسِير : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } أي إِذا تعاملتم بدينٍ مؤجل فاكتبوه ، وهذا إِرشاد منه تعالى لعباده بكتابة المعاملات المؤجلة ليكون ذلك أحفظ وأوثق لمقدارها وميقاتها { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ } أي وليكتب لكم كاتب عادل مأمون لا يجور على أحد الطرفين { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ } أي ولا يمتنع أحد من الكتابة بالعدل كما علّمه الله { فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } أي وليمل على الكاتب ويلقي عليه المدينُ وهو الذي عليه الحق لأنه المقر المشهود عليه { وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } أي وليخشَ الله ربّ العالمين ولا ينقص من الحق شيئاً { فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً } أي إِن كان المدين ناقص العقل مبذراً أو كان صبياً أو شيخاً هرماً { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ } أي لا يستطيع الإِملاء بنفسه لعيٍّ أو خرسٍ أو عُجْمة فليملل قيِّمه أو وكيله بالعدل من غير نقصٍ أو زيادة { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } أي اطلبوا مع الكتابة أن يشهد لكم شاهدان من المسلمين زيادة في التوثقة { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } أي فإِن لم يكن الشاهدان رجلين ، فليشهد رجلٌ وامرأتان ممن يُوثق بدينهم وعدالتهم { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } أي تنسى إحدى المرأتين الشهادة فتذكّرها الأخرى ، وهذا علةٌ لوجوب الأثنتين لنقص الضبط فيهن { وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ } أي ولا يمتنع الشهداء عن أداء الشهادة أو تحملها إِذا طلب منهم ذلك { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ } أي لا تملّوا أن تكتبوا الدين صغيراً كان أو كبيراً ، قليلاً أو كثيراً إِلى وقت حلول ميعاده { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ } أي ما أمرناكم به من كتابة الدين أعدل في حكمه تعالى ، وأثبت للشهادة لئلا تنسى ، وأقرب أن لا تشكّوا في قدر الدَّيْن والأجل { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } أي إِلا إِذا كان البيع حاضراً يداً بيد والثمن مقبوضاً { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } أي فلا بأس بعدم كتابتها لانتفاء المحذور { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } أي أشهدوا على حقكم مطلقاً سواءً كان البيع ناجزاً أو بالدين لأنه أبعد عن النزاع والاختلاف { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } أي لا يضر صاحبُ الحق الكُتَّاب والشهود { وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } أي إِن فعلتم ما نهيتم عنه فقد فسقتم بخروجكم عن طاعة الله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } أي خافوا الله وراقبوه يمنحكم العلم النافع الذي به سعادة الدارين { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي عالم بالمصالح والعواقب فلا يخفى عليه شيء من الأشياء { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } أي إِن كنتم مسافرين وتداينتم إِلى أجلٍ مسمى ولم تجدوا من يكتب لكم ، فليكن بدل الكتابة رهانٌ مقبوضة يقبضها صاحب الحق وثيقةً لدينه { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } أي فإِن أمن الدائن المدين فاستغنى عن الرهن ثقة بأمانة صاحبه فليدفع ذاك المؤتمن الدين الذي عليه وليتق الله في رعاية حقوق الأمانة { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } أي إِذا دعيتم إِلى أداء شهادة فلا تكتموها فإِن كتمانها إِثم كبير ، يجعل القلب آثماً وصاحبه فاجراً ، وخُصّ القلب بالذكر لأنه سلطان الأعضاء ، إِذا صلح صلح الجسد كله وإِذا فسد فسد الجسد كله { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } أي لا يخفى عليه شيء من أعمال وأفعال العباد . البَلاَغَة : 1 - في الآية من ضروب الفصاحة " الجناس المغاير " في قوله { تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } وفي { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } وفي { ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وفي { وَيُعَلِّمُكُمُ … وعَلِيمٌ } . 2 - الطباق في قوله { صَغِيراً أَو كَبِيراً } وفي { أَن تَضِلَّ … فَتُذَكِّرَ } لأن الضلال هنا بمعنى النسيان . 3 - وفي الآية أيضاً الإِطناب في قوله { فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } وفي { وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ … فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } وفي { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } . 4 - الإِيجاز بالحذف وذلك كثير وقد ذكر أمثلته صاحب البحر المحيط . 5 - كرر لفظ الجلالة في الجمل الثلاث { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } لإِدخال الروعة وتربية المهابة في النفوس . 6 - { وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } جمع ما بين الإِسم الجليل والنعت الجميل مبالغة في التحذير . فَائِدَة : العلم نوعان : كسبيٌّ ووهبيٌّ ، أما الأول فيكون تحصيله بالاجتهاد والمثابرة والمذاكرة ، وأما الثاني فطريقه تقوى الله والعمل الصالح كما قال تعالى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } وهذا العلم يسمى العلم اللُّدَني { وآتيناه من لدنَّا علماً } وهو العلم النافع الذي يهبه الله لمن شاء من عباده المتقين وإِليه أشار الإِمام الشافعي بقوله :