Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-62)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لا تزال الآيات تعدّد النعم على بني إِسرائيل ، وهذه إِحدى النعم العظيمة عليهم حين كانوا في التيه ، وعطشوا عطشاً شديداً كادوا يهلكون معه ، فدعا موسى ربه أن يغيثهم فأوحى الله إِليه أن يضرب بعصاه الحجر ، فتفجرت منه عيون بقدر قبائلهم ، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة فجرى لكل منهم جدول خاص ، يأخذون منه حاجتهم لا يشاركهم فيه غيرهم ، وكان موضوع السقيا آية باهرة ومعجزة ظاهرة لسيدنا موسى عليه السلام ومع ذلك كفروا وجحدوا . اللغَة : { ٱسْتَسْقَىٰ } طلب السقيا لقومه لأن السين والتاء للطلب مثل : استنصر واستخبر قال أبو حيان : الاستسقاء : طلب الماء عند عدمه أو قلته ، ومفعوله محذوف أي استسقى موسى ربّه . { فَٱنفَجَرَتْ } الانفجار : الإِنشقاق ومنه سمي الفجر لانشقاق ضوئه ، وانفجر وانبجس بمعنى واحد قال تعالى { فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ } [ الأعراف : 160 ] ، { مَّشْرَبَهُمْ } جهة وموضع الشرب { تَعْثَوْاْ } العيث : شدة الفساد ، قال : عَثِيَ يعثَى : وعثَا يعثو إِذا أفسد فهو عاثٍ ، قال الطبري : معناه تطغوا وأصله شدة الإِفساد { فُومِهَا } الفوم : الثوم وقيل : الحنطة { أَتَسْتَبْدِلُونَ } الاستبدال : ترك شيء لآخر وأخذ غيره مكانه { أَدْنَىٰ } أخسَّ وأحقر يقال رجل دنيء إِذا كان يتتبع الخسائس { ٱلذِّلَّةُ } الذل والهوان والحقارة { وَٱلْمَسْكَنَةُ } الفاقة والخشوع مأخوذة من السكون لأن المسكين قليل الحركة لما به من الفقر { بَآءُو } رجعوا وانصرفوا قال الرازي : ولا يقال باء إِلا بشرّ { يَعْتَدُونَ } الإِعتداء : تجاوز الحد في كل شيء واشتهر في الظلم والمعاصي . التفسِير : { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين طلب موسى السقيا لقومه وقد عطشوا في التيه { فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } أي اضرب أيّ حجر كان تتفجر بقدرتنا العيون منه { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } أي فضرب فتدفق الماء منه بقوة وخرجت منه اثنتا عشرة عيناً بقدر قبائلهم { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } أي علمت كل قبيلة مكان شربها لئلا يتنازعوا { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } أي قلنا لهم : كلوا من المنّ والسلوى ، واشربوا من هذا الماء ، من غير كدّ منكم ولا تعب ، بل هو من خالص إِنعام الله { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي ولا تطغوا في الأرض بأنواع البغي والفساد . { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قلتم لنبيكم موسى وأنتم في الصحراء تأكلون من المنّ والسلوى { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } أي على نوع واحدٍ من الطعام وهو المنُّ والسلوى { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ } أي ادع الله أن يرزقنا غير ذلك الطعام فقد سئمنا المنَّ والسلوى وكرهناه ونريد ما تخرجه الأرض من الحبوب والبقول { مِن بَقْلِهَا } من خضرتها كالنعناع والكرفس والكراث { وَقِثَّآئِهَا } يعني القتَّة التي تشبه الخيار { وَفُومِهَا } أي الثوم { وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } أي العدس والبصل المعروفان { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } أي قال لهم موسى منكراً عليهم : ويحكم أتستبدلون الخسيس بالنفيس ! وتفضلون البصل والبقل والثوم على المنّ والسلوى ؟ { ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } أي ادخلوا مصراً من الأمصار وبلداً من البلدان أيّاً كان لتجدوا فيه مثل هذه الأشياء . . ثم قال تعالى منبهاً على ضلالهم وفسادهم وبغيهم وعدوانهم { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } أي لزمهم الذل والهوان وضرب عليهم الصغار والخزي الأبدي الذي لا يفارقهم مدى الحياة { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي انصرفوا ورجعوا بالغضب والسخط الشديد من الله { ذَلِكَ } أي ما نالوه من الذل والهوان والسخط والغضب بسبب ما اقترفوه من الجرائم الشنيعة { بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي بسبب كفرهم بآيات الله جحوداً واستكباراً ، وقتلهم رسل الله ظلماً وعدواناً { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي بسبب عصيانهم وطغيانهم وتمردهم عَلى أحكام الله ثمَّ دعا تعالى أصحاب الملل والنحل " المؤمنين ، واليهود ، والنصارى ، والصابئين " إِلى الإِيمان الصادق وإِخلاص العمل لله وساقه بصيغة الخبر فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } المؤمنون أتباع محمد { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } اليهود أتباع موسى { وَٱلنَّصَارَىٰ } أتباع عيسى { وَٱلصَّابِئِينَ } قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي من آمن من هذه الطوائف إِيماناً صادقاً فصدَّق بالله ، وأيقن بالآخرة { وَعَمِلَ صَالِحاً } أي عمل بطاعة الله في دار الدنيا { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي لهم ثوابهم عند الله لا يضيع منه مثقال ذرة { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي ليس على هؤلاء المؤمنين خوف في الآخرة ، حين يخاف الكفار من العقاب ، ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب . البَلاَغَة : أولاً : في إِضافة الرزق إِلى الله تعالى { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } تعظيمٌ للمنَّة والإِنعام وإِيماء إِلى أنه رزقٌ حاصلٌ من غير تعب ولا مشقة . ثانياً : في التصريح بذكر الأرض { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } مبالغةٌ في تقبيح الفساد وقوله { مُفْسِدِينَ } حالٌ مؤكدة ووجه فصاحة هذا الأسلوب أن المتكلم قد تشتد عنايته بأن يجعل الأمر أو النهي لا يحوم حوله لبسٌ أو شك ، ومن مظاهر هذه العناية التوكيد فقوله { مُفْسِدِينَ } يكسو النهي عن الفساد قوة ، ويجعله بعيداً من أن يُغفل عنه أو يُنسى . ثالثاً : قوله تعالى { مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ } المنبت الحقيقي هو الله سبحانه ففيه مجاز يسمى ( المجاز العقلي ) وعلاقته السببية لأن الأرض لما كانت سبباً للنبات أُسند إِليها . رابعاً : قوله { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } كناية عن إحاطتهما بهم كما تحيط القبَّة بمن ضربت عليه كما قال الشاعر : @ إِن السماحة والمروءة والندى في قبَّة ضربت على ابن الحشرج @@ خامساً : تقييد قتل الأنبياء بقوله { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } مع أن قتلهم لا يكون بحق البتَّة إِنما هو لزيادة التشنيع بقبح عدوانه . الفوَائِد : الأولى : حكى المفسرون أقوالاً كثيرة في الحجر الذي ضربه موسى فجرت منه العيون ما هو ؟ وكيف وصفه ؟ وقد ضربنا صفحاً عن هذه الأقوال والذي يكفي في فهم معنى الآية أن واقعة انفجار الماء إِنما كان على وجه " المعجزة " وأن الحجر الذي ضربه موسى كان من الصخر الأصم الذي ليس من شأنه الانفجار بالماء ، وهنا تكون المعجزة أوضح ، والبرهان أسطع قال الحسن البصري : لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه قال : وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة . الثانية : فإِن قيل ما الحكمة في جعل الماء اثنتي عشرة عيناً ؟ والجواب : أن قوم موسى كانوا كثيرين وكانوا في الصحراء ، والناس إذا اشتدت بهم الحاجة إلى الماء ثم وجدوه فإنه يقع بينهم تشاجر وتنازع ، فأكمل الله هذه النعمة بأن عيّن لكل سبط منهم ماءً معيناً على عددهم لأنهم كانوا اثني عشر سبطاً ، وهم ذرية أبناء يعقوب الاثني عشر والله أعلم . الثالثة : ذهب بعض المفسرين إِلى أن المراد بالفوم في قوله { وَفُومِهَا } الحنطة والأرجح أن المراد به الثوم بدليل قراءة ابن مسعود { وثومها } وبدليل اقتران البصل بعده قال الفخر الرازي : الثوم أوفق للعدس والبصل من الحنطة ، واستدل القرطبي على ذلك بقول حسان : @ وأنتم أُناسٌ لئامُ الأصول طعامكم الفوم والحوقل @@ يعني الثوم والبصل .