Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-74)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى بعض قبائح اليهود وجرائمهم ، من نقض المواثيق ، واعتدائهم في السبت ، وتمردهم على الله عز وجل في تطبيق شريعته المنزلة ، أعقبه بذكر نوعٍ آخر من مساوئهم ألا وهو مخالفتهم للأنبياء وتكذيبهم لهم ، وعدم مسارعتهم لامتثال الأوامر التي يوحيها الله إِليهم ، ثم كثرة اللجاج والعناد للرسل صلوات الله عليهم ، وجفاؤهم في مخاطبة نبيّهم الكريم موسى عليه السلام ، إلى آخر ما هنالك من قبائح ومساوئ . اللغَة : { هُزُواً } الهزؤ : السخرية بضم الزاي وقلب الهمزة واواً { هُزُواً } مثل { كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] والمعنى على حذف مضاف أي أأتخذنا موضع هزؤٍ ، أو يحمل المصدر على معنى اسم المفعول أي أتجعلنا مهزوءاً بنا { فَارِضٌ } الفارض : الهرمة المسنة التى كبرت وطعنت فى السن كذا فى لسان العرب قال الشاعر : @ لعمري لقد أعطيتَ ضيفكَ فارضاً تُساق إِليه ما تقوم على رجل ولم تعطه بكراً فيرضى سمينةً فكيف تُجازى بالمودة والفضل ؟ @@ { عَوَانٌ } وسط ليست بمسنَّة ولا صغيرة ، وقيل هي التي ولدت بطناً أو بطنيْنِ ، { فَاقِـعٌ } الفقوع : شدة الصفرة يقال : أصفر فاقع أي شديد الصفرة كما يقال : أحمر قانٍ أي شديد الحمرة قال الطبري : وهو نظير النصوع في البياض { ذَلُولٌ } أي مذلّلة للعمل يقال : دابة ذلول أي ريّضة زالت صعوبتها فقوله { لاَّ ذَلُولٌ } أي لم تذلّل لإِثارة الأرض أي لحرثها { مُسَلَّمَةٌ } من السلامة أي خالصة ومبرأة من العيوب { شِيَةَ } الشِّية : اللمعة المخالفة لبقية اللون الأصلي قال الطبري : { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } أي لا بياض ولا سواد يخالف لونها { فَٱدَّارَأْتُمْ } أي تدافعتم واختلفتم وتنازعتم وأصلها تدارأتم أدغمت التاء في الدال ، وأُتي بهمزة الوصل ليتوصل بها إِلى النطق بالساكن فصار ادّارأتم ، ومعنى الدرء : الدفع لأن كلاً من الفريقين كان يدرأ على الآخر أي يدفع وفي الحديث " ادرءوا الحدود بالشبهات " { قَسَتْ } القسوة : الصلابة ونقيضها الرقة { يَشَّقَّقُ } التشقق : التصدع بطولٍ أو عرض { يَهْبِطُ } الهبوط : النزول من أعلى إِلى أسفل . " معجزة إحياء الميت وقصة البقرة " ذكر القصة : روى ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال : " كان رجل من بني إِسرائيل عقيماً لا يولد له وكان له مال كثير ، وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلاً فوضعه على باب رجل منهم ، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض ، فقال ذوو الرأي منهم والنُّهى : علام يقتل بعضنا بعضاً وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } قال : ولو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ، ولكنهم شدّدوا فشدَّد الله عليهم حتى انتهوا إِلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها ، فقال : والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً ، فاشتروها بملء جلدها ذهباً فذبحوها فضربوه ببعضها فقام ، فقالوا : من قتلك ؟ قال : هذا وأشار على ابن أخيه ثم مال ميتاً ، فلم يعط من ماله شيئاً فلم يورث قاتل بعد " وفي رواية " فأخذوا الغلام فقتلوه " . التفسِير : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قال لكم نبيكم موسى إِن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة { قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً } أي فكان جوابكم الوقح لنبيكم أن قلتم : أتهزأ بنا يا موسى { قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } أي ألتجئ إِلى الله أن أكون في زمرة المستهزئين الجاهلين { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } أي ما هي هذه البقرة وأي شيء صفتها ؟ { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } أي لا كبيرة هرمة ، ولا صغيرة لم يلقحها الفحل { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي وسط بين الكبيرة والصغيرة { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } أي افعلوا ما أمركم به ربكم ولا تتعنتوا ولا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } أي ما هو لونها أبيض أم أسود أم غير ذلك ؟ { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } أي إِنها بقرة صفراء شديدة الصفرة ، حسن منظرها تسر كل من رآها . { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } أعادوا السؤال عن حال البقرة بعد أن عرفوا سنها ولونها ليزدادوا بياناً لوصفها ، ثم اعتذروا بأن البقر الموصوف بكونه عواناً وبالصفرة الفاقعة كثيرٌ { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } أي التبس الأمر علينا فلم ندر ما البقرة المأمور بذبحها { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } أي سنهتدي إِلى معرفتها إِن شاء الله ، ولو لم يقولوا ذلك لم يهتدوا إِليها أَبداً كما ثبت في الحديث { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ } أي ليست هذه البقرة مسخرة لحراثة الأرض ، ولا لسقاية الزرع { مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا } أي سليمة من العيوب ليس فيها لونٌ آخر يخالف لونها فهي صفراء كلها { قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } أي الآن بينتها لنا بياناً شافياً لا غموض فيه ولا لبس قال تعالى إِخباراً عنهم { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة ثم أخبر تعالى عن سبب أمرهم بذبح البقرة ، وعما شهدوه من آيات الله الباهرة ، فقال { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قتلتم نفساً { فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا } أي تخاصمتم وتدافعتم بشأنها ، وأصبح كل فريق يدفع التهمة عن نفسه وينسبها لغيره { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي مظهر ما تخفونه { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } أي اضربوا القتيل بشيء من البقرة يحيا ويخبركم عن قاتله { كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } أي كما أحيا هذا القتيل أمام أبصاركم يحي الموتى من قبورهم { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي يريكم دلائل قدرته لتتفكروا وتتدبروا وتعلموا أن الله على كل شيء قدير . ثم أخبر تعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم فقال { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } أي صلبت قلوبكم يا معشر اليهود فلا يؤثر فيها وعظٌ ولا تذكير { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد رؤية المعجزات الباهرة { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } أي بعضها كالحجارة وبعضها أشد قسوة من الحجارة كالحديد { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ } أي تتدفق منها الأنهار الغزيرة { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ } أي من الحجارة ما يتصدع إِشفاقاً من عظمة الله فينبع منه الماء { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي ومنها ما يتفتّت ويتردّى من رءوس الجبال من خشية الله ، فالحجارة تلين وتخشع وقلوبكم يا معشر اليهود لا تتأثر ولا تلين { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي أنه تعالى رقيب على أعمالهم لا تخفى عليه خافية ، وسيجازيهم عليها يوم القيامة ، وفي هذا وعيد وتهديد . البَلاَغَة : أولاً : قوله تعالى { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } من إِيجاز القرآن أن حذف من صدر هذه الجملة جملتين مفهومتين من نظم الكلام والتقدير : فطلبوا البقرة الجامعة للأوصاف السابقة وحصلوها ، فلما اهتدوا إِليها ذبحوها وهذا من الإِيجاز بالحذف . ثانياً : قوله تعالى { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } هذه الجملة اعتراضية بين قوله { فَٱدَّارَأْتُمْ } وقوله { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ } والجملة المعترضة بين ما شأنهما الاتصال تجيء تحلية يزداد بها الكلام البليغ حسناً ، وفائدة الاعتراض هنا إِشعار المخاطبين بأن الحقيقة ستنجلي لا محالة . ثالثاً : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } وصف القلوب بالصلابة والغلظ يراد منه نبُوُّها عن الاعتبار ، وعدم تأثرها بالمواعظ ففيه استعارة تصريحية قال أبو السعود : القسوة عبارة عن الغلظ والجفاء والصلابة كما في الحجر استعيرت لِنُبُوِّ قلوبهم عن التأثر بالعظات والقوارع التي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور . رابعاً : { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ } فيه تشبيه يسمى ( مرسلاً مجملاً ) لأن أداة الشبه مذكورة ووجه الشبه محذوف . خامساً : { لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ } أي ماء الأنهار ، والعرب يطلقون اسم المحل كالنهر على الحال فيه كالماء والقرينة ظاهرة لأن التفجر إِنما يكون للماء ويسمى هذا مجازاً مرسلاً . الفوَائِد : الفائدة الأولى : نبه قوله تعالى { قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } على أن الاستهزاء بأمرٍ من أمور الدين جهل كبير ، وقد منع المحققون من أهل العلم استعمال الآيات كأمثال يضربونها في مقام المزح والهزل ، وقالوا إِنما أنزل القرآن للتدبر والخشوع لا للتسلي والتفكه والمزاح . الثانية : الخطاب في قوله { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً } لليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جرى على الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام ، إِذ ينسب إِلى الخلف ما فعل السلف إِذا كانوا سائرين على نهجهم ، راضين بفعلهم ، وفيه توبيخ وتقريع للغابرين والحاضرين . الثالثة : هذه الواقعة واقعة ( قتل النفس ) جرت قبل أمرهم بذبح البقرة ، وإن وردت في الذكر بعده ، والسرُّ في ذلك التشويقُ إِلى معرفة السبب في ذبح البقرة ، والتكرير في التقريع والتوبيخ قال العلامة أبو السعود : وإِنما غُيِّر الترتيب لتكرير التوبيخ وتثنية التقريع ، فإِن كل واحدٍ من قتل النفس المحرمة ، والاستهزاء بموسى عليه السلام والافتيات على أمره جناية عظيمة جديرة بأن تنعى عليهم . الرابعة : ذكر تعالى إِحياء الموتى في هذه السورة الكريمة في خمسة مواضع : أ - في قوله { ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } [ البقرة : 56 ] ب - وفي هذه القصة { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } ج - وفي قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } [ البقرة : 243 ] د - وفي قصة عزير { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } [ البقرة : 259 ] هـ وفي قصة إبراهيم { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [ البقرة : 260 ] . الخامسة : { أوْ } في قوله تعالى { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } بمعنى " بَلْ " أي بل أشد قسوة كقوله تعالى { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] وقال بعضهم : هي للترديد ، أو التخيير فمن عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى كالحديد ، ومن لم يعرفها شبهها بالحجارة أو قال : هي أقسى من الحجارة . السادسة : ذهب بعض المفسرين إِلى أن الخشية هنا حقيقية ، وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها كقوله تعالى { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [ الإسراء : 44 ] وقال آخرون : بل هو من باب المجاز كقول القائل : قال الحائط للمسمار لم تشقني ؟ قال : سل من يدقني والله أعلم ؟