Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 19-37)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة ، ذكر هنا ما دار بينهم من الخصومة في دينه وعبادته ، ثم ذكر عظم حرمة البيت العتيق وبناء الخليل له ، وعظم كفر هؤلاء المشركين الذين يصدون الناس عن سبيل الله والمسجد الحرام . اللغَة : { يُصْهَرُ } الصهر : الإِذابة صهرت الشيء فانصهر أي أذبته فذاب { مَّقَامِعُ } المقامع : السياط جمع مقمعة سميت بذلك لأنها تقمع الفاجر { ٱلْعَاكِفُ } المقيم الملازم { وَٱلْبَادِ } القادم من البادية { بَوَّأْنَا } أنزلنا وهيأنا وأرشدنا { رِجَالاً } جمع راجل وهو الماشي على قدميه { ضَامِرٍ } الضامر : البعير المهزول الذي أتعبه السفر { تَفَثَهُمْ } التفث في اللغة : الوسخ والقذر قال الشاعر : @ حفوا رءوسهم لم يحلقوا تفثاً ولم يسلُّـوا لهم قملاً وصئباناً @@ قال الثعلبي : أصل التفث في اللغة الوسخ ، تقول العرب للرجل تستقذره : ما أتفثك أي ما أوسخك وأقذرك { ٱلْمُخْبِتِينَ } المخبت : المتواضع الخاشع لله . التفسِير : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } أي هذان فريقان مختصمان فريق المؤمنين المتقين ، وفريق الكفرة المجرمين { ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي اختلفوا وتنازعوا من أجل الله ودينه قال مجاهد : هم المؤمنون والكافرون ، فالمؤمنون يريدون نصرة دين الله ، والكافرون يريدون إطفاء نور الله { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } أي فصلت لهم ثيابٌ من نار على قدر أجسادهم ليلبسوها إذا صاروا إلى النار قال القرطبي : شبهت النار بالثياب لأنها لباس لهم كالثياب ومعنى { قُطِّعَتْ } خيطت وسويت ، وذكر بلفظ الماضي لأن الموعود منه كالواقع المحقق { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } أي يصب على رءوسهم الماء الحار المغلي بنار جهنم { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } أي يذاب به ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء مع الجلود قال ابن عباس : لو سقطت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها وفي الحديث " إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه ، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ، ثم يعاد كما كان " قال الإِمام الفخر : والغرض أن الحميم إذا صب على رءوسهم كان تأثيره في الباطن مثل تأثيره في الظاهر ، فيذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم وهو أبلغ من قوله { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } أي ولهم مطارق وسياط من الحديد يضربون بها ويدفعون وفي الحديث " لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها " { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } أي كلما أراد اهل النار الخروج من النار من شدة غمها ردوا إلى أماكنهم فيها قال الحسن : إن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي ويقال لهم : ذوقوا عذاب جهنم المحرق الذي كنتم فيه تكذبون ، ولما ذكر تعالى ما أعد للكفار من العذاب والدمار ، ذكر ما أعده للمؤمنين من الثواب والنعيم فقال { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي يدخل المؤمنين الصالحين في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار العظيمة المتنوعة { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } أي تلبسهم الملائكة في الجنة الأساور الذهبية كحلية وزينة يتزينون بها { وَلُؤْلُؤاً } أي ويحلون باللؤلؤ كذلك إكراماً من الله لهم { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } أي ولباسهم في الجنة الحرير ، ولكنه أعلى وأرفع مما في الدنيا بكثير { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي أرشدوا إلى الكلام الطيب والقول النافع إذ ليس في الجنة لغوٌ ولا كذب { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } أي إلى صراط الله وهو الجنة دار المتقين ، ثم عدد تعالى بعض جرائم المشركين فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي جحدوا بما جاء به محمد عليه السلام ويمنعون المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام لأداء المناسك فيه قال القرطبي : وذلك حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام عام الحديبية ، وإنما قال { وَيَصُدُّونَ } بصيغة المضارع ليدل على الاستمرار فكأن المعنى : إن الذين كفروا من شأنهم الصد عن سبيل الله ونظيره قوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 28 ] { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي الذي جعلناه منسكاً ومتعبداً للناس جميعاً سواء فيه المقيم الحاضر ، والذي يأتيه من خارج البلاد { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } أي ومن يرد فيه سوءاً أو ميلاً عن القصد أو يهم فيه بمعصية { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي نذقه أشد أنواع العذاب الموجع قال ابن مسعود : لو أن رجلاً بِعدَنَ همَّ بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذاباً أليماً وقال مجاهد : تُضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } أي واذكر حين أرشدنا إبراهيم وألهمناه مكان البيت { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } أي أمرناه ببناء البيت العتيق خالصاً لله قال ابن كثير : أي ابنه على اسمي وحدي { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } أي طهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يعبد الله فيه بالطواف والصلاة قال القرطبي : والقائمون هم المصلون ، ذكر تعالى من أركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي ونادِ في الناس داعياً لهم لحج بيت الله العتيق قال ابن عباس : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له : أذن في الناس بالحج ، قال يا رب : وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي الإِبلاغ فصعد إبراهيم على جبل أبي قبيس وصاح : يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ، ويجيركم من عذاب النار فحجوا ، فأجابه من كان في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء : لبيك اللهم لبيك { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } أي يأتوك مشاة على أقدامهم أو ركباناً على كل جمل هزيل قد أتعبه وأنهكه بعد المسافة { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي تأتي الإِبل الضامرة من كل طريق بعيد قال القرطبي : ورد الضمير إلى الإِبل { يَأْتِينَ } تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها كما قال { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } [ العاديات : 1 ] في خيل الجهاد تكرمةً لها حين سعت في سبيل الله { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي ليحضروا منافع لهم كثيرة دينية ودنيوية قال الفخر الرازي : وانما نكَّر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي ويذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله في أيام النحر شكراً لله على نعمائه وعلى ما رزقهم وملكهم من الأنعام وهي : الإِبل والبقر والغنم والمعز قال الرازي : وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي ذكر اسمه تعالى عند الذبح وأن يخالف المشركين في ذلك فإنهم كانوا يذبحونها للنصب والأوثان { فَكُلُواْ مِنْهَا } أي كلوا من لحوم الأضاحي { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } أي أطعموا منها البائس الذي أصابه بؤس وشدة ، والفقير الذي أضعفه الإِعسار قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه ، والفقير الذي لا يكون كذلك ، ثيابه نقية ووجهه وجه غني { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } أي ثم بعد الذبح ليزيلوا وسخهم الذي أصابهم بالإِحرام وذلك بالحلق والتقصير وإزالة الشعث وقص الشارب والأظافر { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } أي ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر طاعةً لله { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي ليطوفوا حول البيت العتيق طواف الإِفاضة وهو طواف الزيارة الذي به تمام التحلل ، والعتيق : القديم سمي به لأنه أول بيت وضع للناس { ذٰلِكَ } أي الأمر والشأن ذلك قال الزمخشري : كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } أي من يعظم ما شرعه الله من أحكام الدين ويجتنب المعاصي والمحارم { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } أي ذلك التعظيم خير له ثواباً في الآخرة { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي أحللنا لكم جميع الأنعام إلا ما استثني في الكتاب المجيد كالميتة والمنخنقة وما ذبح لغير الله وغير ذلك { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب الأنجاس ، وهو غاية المبالغة في النهي عن عبادتها وتعظيمها { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } أي واجتنبوا شهادة الزور { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } أي مائلين إلى الحق مسلمين لله غير مشركين به أحداً { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } تمثيل للمشرك في ضلاله وهلاكه أي ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفه الطير وتمزقه كل ممزق { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } أي ذلك ما وضحه الله لكم من الأحكام والأمثال ومن يعظم أمور الدين ومنها أعمالُ الحج والأضاحي والهدايا { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } أي فإن تعظيمها من أفعال المتقين لله قال القرطبي : أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى في القلب وفي الحديث " التقوى هٰهنا " وأشار إلى صدره { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي لكم في الهدايا منافع كثيرة من الدر والنسل والركوب إلى وقت نحرها { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي ثم مكان ذبحها في الحرم بمكة أو منى ، وخص البيت بالذكر لأنه أشرف الحرم كقوله تعالى { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [ المائدة : 95 ] { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي شرعنا لكل أُمة من الأمم السابقة من عهد إبراهيم مكاناً للذبح تقرباً لله قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } أي أمرناهم عند الذبح أو يذكروا اسم الله وأن يذبحوا لوجهه تعالى { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي شكراً لله على ما أنعم به عليهم من بهيمة الأنعام من الإِبل والبقر والغنم ، بين تعالى انه يجب أن يكون الذبح لوجهه تعالى وعلى اسمه لأنه هو الخالق الرازق لا كما كان المشركون يذبحون للأوثان { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي فربكم أيها الناس ومعبودكم إله واحد لا شريك له { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي فأخلصوا له العبدة واستسلموا لحكمه وطاعته { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } أي بشر المطيعين المتواضعين الخاشعين بجنات النعيم ، ثم وصف تعالى المخبتين بأربع صفات فقال { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي إذا ذكر الله خافت وارتعشت لذكره قلوبهم لإِشراق أشعة جلاله عليها فكأنهم بين يديه واقفون ، ولجلاله وعظمته مشاهدون { وَٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } أي يصبرون في السراء والضراء على الأمراض والمصائب والمحن وسائر المكاره { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } أي الذين يؤدونها في أوقاتها مستقيمةً كاملة مع الخشوع والخضوع { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي ومن بعض الذي رزقناهم من فضلنا ينفقون في وجوه الخيرات { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } أي والإِبل السمينة - سميت بدناً لبدانتها وضخامة أجسامها - جعلناها من أعلام الشريعة التي شرعها الله لعباده قال ابن كثير : وكونها من شعائر الدين انها تُهدى إلى بيته الحرام بل هي أفضل ما يهدى { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قال ابن عباس : نفعٌ في الدنيا وأجرٌ في الآخرة { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } أي اذكروا عند ذبحها اسم الله الجليل عليها حال كونها صواف أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي فإذا سقطت على الأرض بعد نحرها ، وهو كنايةٌ عن الموت { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } أي كلوا من هذه الهدايا وأطعموا القانع أي المتعفف والمعتر أي السائل قاله ابن عباس ، وقال الرازي : الأقرب أن القانع هو الراضي بما يدفع إليه من غير سؤال وإلحاح ، والمعتر هو الذي يتعرض ويطلب ويعتريهم حالاً بعد حال { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي مثل ذلك التسخير البديع جعلناها منقادة لكم مع ضخامة اجسامها لكي تشكروا الله على إنعامه { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } أي لن يصل إليه تعالى شيء من لحومها ولا دمائها { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } أي ولكن يصل إليه التقوى منكم بامتثالكم أوامره وطلبكم رضوانه { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } أي كرره للتأكيد أي كذلك ذللها لكم وجعلها منقادة لرغبتكم لتكبروا الله على ما أرشدكم إليه من أحكام دينه { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي بشر المحسنين في أعمالهم بالسعادة والفوز بدار النعيم . البَلاَغة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الإِيجاز { ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي في دين ربهم فهو على حذف مضاف . 2 - الاستعارة { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } استعارة عن إحاطة النار بهم كما يحيط الثوب بلابسه . 3 - الطباق بين { ٱلْعَاكِفُ … وَٱلْبَادِ } لأن العاكف المقيم في المدينة والباد القادم من البادية . 4 - التأكيد بإعادة الفصل { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } للعناية بشأن كل استقلالاً ، ويسمى في علم البديع الإِطناب . 5 - التشبيه التمثيلي { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } لأن وجه الشبه منتزع من متعدد . 6 - الجناس الناقص { وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } . 7 - الطباق بين { ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } لأنه القانع المتعفف والمعتر السائل . 8 - السجع اللطيف مثل { عَميِقٍ } ، { سَحِيقٍ } ، { ٱلْعَتِيقِ } ومثل { ٱلْمُحْسِنِينَ } ، { ٱلْمُخْبِتِينَ } . تنبيه : لم يؤاخذ الله تعالى أحداً من خلقه على الهم بالمعصية إلا في المسجد الحرام { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } لأنه المكان المقدس الذي يجب أن يكون فيه الإِنسان نقي القلب ، طاهر النفس ، صافي السريرة ، خالصاً بكليته لله ، فمن ينتهك حرمة الملك في حماه جدير بالجحيم والعذاب الأليم .