Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 63-78)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لمّا ذكر تعالى ما دلَّ على قدرته الباهرة من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل ونبه به على نعمه ، أتبعه هنا بأنواع أخر من الدلائل على قدرته وحكمته ، وجعلها كالمقدمة لإِثبات البعث والمعاد ، وختم السورة بدعوة المؤمنين إلى عبادة الله الواحد الأحد . اللغَة : { سُلْطَاناً } حجة وبرهاناً { يَسْطُونَ } يبطشون ، والسطوة : القهر وشدة البطش يقال : سطا يسطو إذا بطش به { يَسْلُبْهُمُ } سلب الشيء : اختطفه بسرعة { قَدَرُواْ } عظموا { يَصْطَفِي } يجتبي ويختار { حَرَجٍ } ضيق { مِّلَّةَ } الملة : الدين . التفسِير : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } استفهام تقريري أي ألم تعلم ايها السامع أن الله بقدرته أنزل من السحاب المطر ؟ { فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } أي فأصبحت الأرض منتعشة خضراء بعد يبسها ومحولها ، وجاء بصيغة المضارع { فَتُصْبِحُ } لاستحضار الصورة وإفادة بقائها كذلك مدة من الزمن { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } قال ابن عباس : لطيف بأرزاق عباده خبير بما في قلوبهم من القنوط ، والغرض من الآية إقامة الدليل على كمال قدرته وعلى البعث والنشور فمن قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت ولهذا قال { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي جميع ما في الكون ملكه جل وعلا ، خلقاً وملكاً وتصرفاً ، والكل محتاج إلى تدبيره وإتقانه { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } أي هو تعالى غني عن الأشياء كلها لا يحتاج لأحد ، وهو المحمود في كل حال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ } تذكير بنعمة أُخرى أي ألم تر أيها العاقل أن الله سخر لعباده جميع ما يحتاجون إليه من الحيوانات والأشجار والأنهار والمعادن { وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي وسخر السفن العظيمة المثقلة بالأحمال والرجال تسير في البحر لمصالحكم بقدرته ومشيئته { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ } أي ويمسك بقدرته السماء كي لا تقع على الأرض فيهلك من فيها { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي إلا إذا شاء وذلك عند قيام الساعة { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي وذلك من لطفه بكم ورحمته لكم حيث هيأ لكم أسباب المعاش فاشكروا آلاءه { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ } أي أحياكم بعد أن كنتم عدماً { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } أي يميتكم عند انتهاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي بعد موتكم للحساب والثواب والعقاب { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي مبالغ في الجحود لنعم الله قال ابن عباس : المراد بالإِنسان الكافر والغرض من الآيات توبيخ المشركين كأنه يقول : كيف تجعلون لله أنداداً وتعبدون معه غيره وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف ! ! { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي لكل نبي من الأنبياء وأمةٍ من الأمم السابقين وضعنا لهم شريعة ومتعبداً ومنهاجاً كقوله { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] { هُمْ نَاسِكُوهُ } أي هم عاملون به أي بذلك الشرع { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } أي لا ينازعك أحدٌ من المشركين فيما شرعتُ لك ولأمتك فقد كانت الشرائع في كل عصر وزمان ، وهو نهيٌ يراد به النفي أي لا ينبغي منازعةُ النبي صلى الله عليه وسلم لأن الحق قد ظهر بحيث لا يسع النزاع فيه { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي أدعُ الناس إلى عبادة ربك وإلى شريعته السمحة المطهرة { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } أي فإِنك على طريق واضحٍ مستقيم ، موصل إلى جنات النعيم { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي وإِن خاصموك بعد ظهور الحق وقيام الحجة عليهم فقل لهم : الله أعلم بأعمالكم القبيحة وبما تستحقون عليها من الجزاء ، وهذا وعيد وإِنذار { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } أي الله يفصل في الآخرة بين المؤمنين والكافرين فيما كانوا فيه يختلفون من أمر الدين ، فيعرفون حينئذٍ الحق من الباطل { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } الاستفهام تقريري أي لقد علمت يا محمد أنَّ الله أحاط علمه بما في السماء والأرض فلا تخفى عليه أعمالهم { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ } أي إن ذلك كله مسطر في اللوح المحفوظ { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي إن حصر المخلوقات تحت علمه وإِحاطته سهلٌ عليه يسيرٌ لديه ثم بيَّن سبحانه ما يقدم عليه الكفار مع عظيم نعمه ، ووضوح دلائله فقال { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي ويعبد كفار قريش غير الله تعالى أصناماً لا تنفع ولا تسمع { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي ما لم يرد به حجة ولا برهان من جهة الوحي والشرع { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي وما ليس عندهم به علم من جهة العقل وإنما هو مجرد التقليد الأعمى للآباء { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } أي ليس لهم ناصر يدفع عنهم عذاب الله { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي وإذا تليت على هؤلاء المشركين آيات القرآن الواضحة الساطعة وما فيها من الحجج القاطعة على وحدانية الله { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ } أي ترى في وجوه الكفار الإِنكار بالعبوس والكراهة { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا } أي يكادون يبطشون بالمؤمنين الذين يتلون عليهم القرآن { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } أي قل لهم : هل أخبركم بما هو أسوأ أو أشنع من تخويفكم للمؤمنين وبطشكم بهم ؟ إنه نار جهنم وعذابها ونكالها { وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وعدها الله للكافرين المكذبين بآياته { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي بئس الموضع الذي يصيرون إليه { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } أي يا معشر المشركين ضرب الله مثلاً لما يعبد من دون الله من الأوثان والأصنام فتدبروه حق التدبر واعقلوا ما يقال لكم { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } أي إنَّ هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله لن تقدر على خلق ذبابة على ضعفها وإن اجتمعت على ذلك ، فكيف يليق بالعاقل جعلها آلهة وعبادتها من دون الله ! قال القرطبي : وخص الذباب لأربعة أمور : لمهانته ، وضعفه ، ولاستقذاره ، وكثرته ، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوهم من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته ، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين ، وأرباباً مطاعين ؟ وهذا من أقوى الحجة وأوضح البرهان { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } أي لو اختطف الذباب وسلب شيئاً من الطيب الذي كانوا يضمخون به الأصنام لما استطاعت تلك الآلهة استرجاعه منه رغم ضعفه وحقارته { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } أي ضعف العابد الذي يطلب الخير من الصنم ، والمطلوب الذي هو الصنم ، فكل منهما حقير ضعيف { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق تعظيمه حيث جعلوا الأصنام - على حقارتها - شركاء للقوي العزيز ولهذا قال { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي هو تعالى قادر لا يعجزه شيء ، غالب لا يغلب ، فكيف يسوون بين القوي العزيز والعاجز الحقير ؟ ! { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } أي الله يختار رسلاً من الملائكة ليكونوا وسطاء لتبليغ الوحي إلى أنبيائه ، ويختار رسلاً من البشر لتبليغ شرائع الدين لعباده ، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون الرسول من البشر { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي يسمع ما يقولون ويرى ما يفعلون { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي يعلم ما قدموا وما أخَّروا من الأفعال والأقوال والأعمال { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي إليه وحده جل وعلا ترد أمور العباد فيجازيهم عليها { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } أي صلوا لربكم خاشعين ، وإِنما عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لأنهما أشرف أركان الصلاة { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } أي أفردوه بالعبادة ولا تعبدوا غيره { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } أي افعلوا ما يقربكم من الله من أنواع الخيرات والمبرات كصلة الأرحام ، ومواساة الأيتام ، والصلاة بالليل والناس نيام { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي لتفوزوا وتظفروا بنعيم الآخرة { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } أي جاهدوا بأموالكم وأنفسكم لإِعلاء كلمة الله حقَّ الجهاد باستفراغ الوسع والطاقة { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } أي هو اختاركم من بين الأمم لنصرة دينه ، وخصكم بأكمل شرع وأكرم رسول { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي وما جعل عليكم في هذا الدين من ضيق ولا مشقة ، ولا كلفكم ما لا تطيقون بل هي الحنيفية السمحة ولهذا قال { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } أي دينكم الذي لا حرج فيه هو دين ابراهيم فالزموه لأنه الدين القيم كقوله { دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [ الأنعام : 161 ] { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا } أي الله سماكم المسلمين في الكتب المتقدمة وفي هذا القرآن ، ورضي لكم الإِسلام ديناً قال الإِمام الفخر : المعنى انه سبحانه في سائر الكتب المتقدمة على القرآن ، وفي القرآن أيضاً بيَّن فضلكم على الأمم وسمَّاكم بهذا الاسم الأكرم ، لأجل الشهادة المذكورة ، فلما خصكم بهذه الكرامة فاعبدوه ولا تردوا تكاليفه { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي ليشهد عليكم الرسول بتبليغه الرسالة لكم وتشهدوا أنتم على الخلائق أنَّ رسلهم قد بلَّغتهم { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } أي وإذْ قد اختاركم الله لهذه المرتبة الجليلة فاشكروا الله على نعمته بأداء الصلاة ودفع الزكاة { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أي استمسكوا بحبله المتين وثقوا واستعينوا بالله في جميع أموركم { هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } أي نعم هو تعالى الناصر والمعين . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الامتنان بتعداد النعم { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي … } الخ وكذلك الاستفهام الذي يفيد التقرير . 2 - الطباق { يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } . 3 - صيغة المبالغة { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي مبالغ في الجحود . 4 - النهي الذي يراد منه نفي الشيء { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ } أي لا ينبغي لهم منازعتك فقد ظهر الحق وبان . 5 - الاستعارة اللطيفة { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ } أي تستدل من وجوههم على المكروه وإرادة الفعل القبيح مثل قولهم : عرفت في وجه فلان الشر . 6 - التمثيل الرائع { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } أي مثل الكفار في عبادتهم لغير الله كمثل الأصنام التي لا تستطيع أن تخلق ذبابة واحدة قال الزمخشري : سميت القصة الرائقة المتلقاة بالاستحسان مثلاً تشبيهاً لها ببعض الأمثال . 7 - المجاز المرسل { ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } من إطلاق الجزء على الكل أي صلوا لأن الركوع والسجود من اركان الصلاة . 8 - ذكر العام بعد الخاص لإِفادة العموم مع العناية بشأن الخاص { ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } بدأ بخاص ، ثم بعام ، ثم بأعم .