Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-14)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما أوصى تعالى في الآيات السابقة بالأيتام وذكر ضمنها حق الأقارب بالإِجمال ، أعقبه بذكر أحكام المواريث بالتفصيل ليكون ذلك توضيحاً لما سبق من الإِجمال فذكر نصيب الأولاد بنين وبنات ، ثم ذكر نصيب الآباء والأمهات ، ثم نصيب الأزواج والزوجات ، ثم نصيب الإِخوة والأخوات . اللغَة : { يُوصِيكُمُ } الوصية : العهد بالشيء والأمر به ولفظ الإِيصاء أبلغ وأدل على الاهتمام من لفظ الأمر لأنه طلب الحرص على الشيء والتمسك به { فَرِيضَةً } أي حقاً فرضه الله وأوجبه { كَلاَلَةً } أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد أي لا أصل له ولا فرع لأنها مشتقة من الكلّ بمعنى الضعف يقال : كلَّ الرجل إِذا ضعف وذهبت قوته { حُدُودُ ٱللَّهِ } أحكامه وفرائضه المحدودة التي لا تجوز مجاوزتها . سَبَبُ النّزول : روي " أن امرأة " سعد بن الربيع " جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبنتيها فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما سعد معك بأُحد شهيداً ، وإِن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً ، ولا تُنكحان إِلا بمال فقال صلى الله عليه وسلم : يقضي الله في ذلك فنزلت آية المواريث { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } الآية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى عمهما أن أعط إِبنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " . التفسِير : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } أي يأمركم الله ويعهد إِليكم بالعدل في شأن ميراث أولادكم { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } أي للإِبن من الميراث مثل نصيب البنتين { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } أي إِن كان الوارث إِناثاً فقط اثنتين فأكثر { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } أي فللبنتين فأكثر ثلثا التركة { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } أي وإِن كانت الوارثة بنتاً واحدة فلها نصف التركة … بدأَ تعالى بذكر ميراث الأولاد ثم ذكر ميراث الأبوين لأن الفرع مقدم في الإِرث على الأصل فقال تعالى { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } أي للأب السدس وللأم السدس { مِمَّا تَرَكَ } أي من تركة الميت { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أي إِن وجد للميت ابن أو بنت لأن الولد يطلق على الذكر والأنثى { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } أي فإِن لم يوجد للميت أولاد وكان الوارث أبواه فقط أو معهما أحد الزوجين { فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ } أي فللأم ثلث المال أو ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين والباقي للأب { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } أي فإِن وجد مع الأبوين إِخوة للميت " اثنان فأكثر " فالأم ترث حينئذٍ السدس فقط والباقي للأب ، والحكمة أن الأب مكلف بالنفقة عليهم دون أمهم فكانت حاجته إِلى المال أكثر { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } أي إِن حق الورثة يكون بعد تنفيذ وصية الميت وقضاء ديونه فلا تقسم التركة إِلا بعد ذلك { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } أي إِنه تعالى تولّى قسمة المواريث بنفسه وفرض الفرائض على ما علمه من الحكمة ، فقسم حيث توجد المصلحة وتتوفر المنفعة ولو ترك الأمر إِلى البشر لم يعلموا أيهم أنفع لهم فيضعون الأموال على غير حكمة ولهذا أتبعه بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي إِنه تعالى عليم بما يصلح لخلقه حكيم فيما شرع وفرض . . ثم ذكر تعالى ميراث الزوج والزوجة فقال { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ } أي ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم من المال إِن لم يكن لزوجاتكم أولاد منكم أو من غيركم { فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ } أي من ميراثهن ، وألحق بالولد في ذلك ولد الإِبن بالإِجماع { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } أي من بعد الوصية وقضاء الدين { وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ } أي ولزوجاتكم واحدة فأكثر الربع مما تركتم من الميراث إِِن لم يكن لكم ولد منهن أو من غيرهن { فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم } أي فإِن كان لكم ولد منهن أو من غيرهن فلزوجاتكم الثمن مما تركتم من المال { مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } وفي تكرير ذكر الوصية والدين من الاعتناء بشأنهما ما لا يخفي . { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً } أي وإِن كان الميت يورث كلالة أي لا والد له ولا ولد وورثه أقاربه البعيدون لعدم وجود الأصل أو الفرع { أَو ٱمْرَأَةٌ } عطف على رجل والمعنى أو امرأةٌ تورث كلالة { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } أي وللمورّث أخ أو أخت من أم { فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } أي فللأخ من الأم السدس وللأخت للأم السدس أيضاً { فَإِن كَانُوۤاْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ } أي فإِن كان الإِخوة والأخوات من الأم أكثر من واحد فإِنهم يقتسمون الثلث بالسوية ذكورهم وإِناثهم في الميراث سواء ، قال في البحر : وأجمعوا على أن المراد في هذه الآية الإِخوة للأم { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ } أي بقصد أن تكون الوصية للمصلحة لا بقصد الإِضرار بالورثة أي في حدود الوصية بالثلث لقوله عليه السلام " الثلث والثلث كثير " { وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ } أي أوصاكم الله بذلك وصية { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } أي عالم بما شرع حليم لا يعاجل العقوبة لمن خالف أمره { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي تلك الأحكام المذكورة شرائع الله التي حدّها لعباده ليعملوا بها ولا يعتدوها { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي من يطع أمر الله فيما حكم وأمر رسوله فيما بيّن ، يدخله جنات النعيم التي تجري من تحت أشجارها وأبنيتها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً { وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الفلاح العظيم { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } أي ومن يعص أمر الله وأمر الرسول ويتجاوز ما حدّه تعالى له من الطاعات { يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا } أي يجعله مخلداً في نار جهنم لا يخرُج منها أبداً { وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي وله عذاب شديد مع الإِهانة والإِذلال والعذاب والنكال . البَلاَغَة : تضمنت الآيات من أصناف البديع ما يلي : 1 - الطباق في لفظ { الذكر والانثى } وفي { وَمَن يُطِعِ وَمَن يَعْصِ } وفي { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ } . 2 - الإِطناب في { مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْن } و { ٍمِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } والفائدة التأكيد على تنفيذ ما ذكر . 3 - جناس الاشتقاق في { وَصِيَّةٍ يُوصِي } . 4 - المبالغة في { عَلِيمٌ ، حَلِيمٌ } . فَائِدَة : استنبط بعض العلماء من قوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } أنه تعالى أرحم من الوالدة بولدها حيث أوصى الوالدين بأولادهم ويؤيده ما ورد " للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها " . تنبيه : وجه الحكمة في تضعيف نصيب الذكر هو احتياجه إِلى مؤنة النفقة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق ، فنفقاته أكثر والتزاماته أضخم فهو إِلى المال أحوج .