Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-18)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { فصِّلتْ } بُيِّنت ووُضِّحت { أَكِنَّةٍ } جمع كنان وهو الغطاء { وَقْرٌ } صمم وثقل يمنع سماع الكلام { مَمْنُونٍ } مقطوع من مننْتُ الحبل إِذا قطعته قال الشاعر : @ إني لعمرُك ما بابي بذي غلقٍ على الصِّديق ولا خيري بممنون @@ { صَرْصَر } الصَّرْصر : الريح الباردة العاصفة مع الصوت الشديد { نَّحِسَاتٍ } مشئومات من النَّحس بمعنى الشؤم وهو ضدُّ السَّعد قال الشاعر : @ سواءٌ عليه أيَّ حينٍ أتيته أساعة نحسٍ تُتَّقى أم بأسعد @@ { أَخْزَىٰ } أشد إهانةً وإِذلالاً من الخزي بمعنى الإِهانة { ٱلْهُونِ } الإِهانة والذل . التفسِير : { حـمۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن { تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } أي هذا القرآن المجيد منزَّل من الرحمن الرحيم ، أنزله جل وعلا رحمة بعباده ، وإِنما خصَّ هذين الإِسمين { الرحمن الرحيم } إشارة إلى أن نزوله من أكبر النعم ، ولا شك أن القرآن نعمة باقية إلى يوم القيامة { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي كتابٌ جامع للمصالح الدينية والدنيوية ، بُيِّنت معانيه ، ووُضِّحت أحكامه ، بطريق القصص والمواعظ والأحكام والأمثال ، في غاية البيان والكمال { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي في حال كونه قرآناً عربياً ، واضحاً جلياً نزل بلسان العرب { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي لقومٍ يفهمون تفاصيل آياته ، ودلائل إعجازه ، فإِنه في أعلى طبقات البلاغة ، ولا يتذوق أسراره إلا من كان عالماً بلغة العرب { بَشِيراً وَنَذِيراً } أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم ، ومنذراً للكافرين بعذاب الجحيم { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي فأعرض أكثر المشركين عن تدبر آياته مع كونه نزل بلغتهم ، فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل قال أبو حيان : المعنى أعرض أكثر أولئك القوم مع كونهم من أهل العلم ، ولكن لم ينظروا النظر التام بل أعرضوا ، فهم لإِعراضهم لا يسمعون ما احتوى عليه من الحجج والبراهين وقال القرطبي : السورةُ نزلت تقريعاً وتوبيخاً لقريش في إِعجاز القرآن ، فهم لا يسمعون سماعاً ينتفعون به ، ثم أخبر تعالى عن عتوهم وضلالهم فقال { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } أي وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الإِيمان : قلوبنا في أغطية متكاثفة ، لا يصل إليها شيءٌ مما تدعونا إليه من التوحيد والإِيمان { وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } أي وفي آذاننا صممٌ وثقلٌ يمنعنا من فهم ما تقول قال الصاوي : شبهوا أسماعهم بآذانٍ فيها صمَمٌ ، من حيث إنها تمجُّ الحقَّ ولا تميل إلى استماعه { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } أي وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول ، فنحن معذورون في عدم اتباعك ، لوجود المانع من جهتنا وجهتك { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي اعملْ أنت على طريقتك ، ونحن على طريقتنا ، واستمرَّ على دينك فإِنا مستمرون على ديننا { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي قل يا محمد لأولئك المشركين : لستُ إلا بشراً مثلكم خصّني الله بالرسالة والوحي ، وأنا داعٍ لكم إلى توحيد خالقكم وموجدكم ، الذي قامت الأدلة العقلية والشرعية على وحدانيته ووجوده ، فلا داعي إلى تكذيبي { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ } أي توجهوا إليه بالاستقامة على التوحيد والإِيمان ، والإِخلاص في الأعمال ، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي دمارٌ وهلاك للمشركين الذين لا يفعلون الخير ، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله قال القرطبي : قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء ، وفي الآية دلالة على أن الكافر يُعذَّب بمنع الزكاة مع عذابه على كفره وقال ابن عباس : المراد زكاة الأنفس والمعنى : لا يطهرون أنفهسم من الشرك بالتوحيد ، ولا يقولون لا إله الله { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي كفروا بالبعث والنشور ، وكذَّبوا بالحساب والجزاء قال الصاوي : وإِنما خصَّ منع الزكاة وقرنه بالكفر بالآخرة ، لأن المال شقيق الروح فإِذا بذله الإِنسان في سبيل الله كان دليلاً على قوته وثباته في الدين { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } لما ذكر حال الكفار ووعيدهم ، أردفه بذكر حال المؤمنين وما لهم من الوعد الكريم والمعنى الذين صدَّقوا الله ورسوله ، وجمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح ، لهم في الآخرة أجرٌ غير مقطوع عند ربهم ، بل هو دائم مستمر بدوام الجنة ، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته فقال { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } الاستفهام للتوبيخ والتعجب أي كيف تكفرون بالله وهو الإِلهُ العليُّ الشأن ، القادر على كل شيء ، خالقُ الأرض في يومين ؟ { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي تجعلون له شركاء وأمثالاً تعبدونها معه { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ذلك الخالق المبدع هو ربُّ العالمين كلهم ، فكيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة شركاء له في الإِلهية والمعبودية ؟ قال الصاوي : الاستفهام { أَإِنَّكُمْ } للإِنكار والتشنيع عليهم والمعنى : أنتم تعلمون أنه لا شريك له في العالم العلوي والسفلي ، فكيف تجعلون له شريكاً ؟ { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } أي جعل في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تميد بالبشر { وَبَارَكَ فِيهَا } أي أكثر خيرها بما جعل فيها من المياه ، والزروع ، والضروع { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } أي قدَّر أرزاق أهلها ومعاشهم قال مجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } أي في تمام أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان ، للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } أي عمد إلى خلقها وقصد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان قال ابن كثير : والمراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } أي قالت السموات والأرض أتينا أمرك طائعين قال الزمخشري : وهذا على التمثيل أي أنه تعالى أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المُطاع ، والغرضُ تصوير أثر قدرته في المقدورات من غير أن يكون هناك خطاب وجواب ، ومثله قول القائل : قال الحائطُ للمسمار لم تشقني ؟ قل : سلْ من يدُقُّني ، وروي عن ابن عباس قال قال الله تعالى للسماء : أطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وقال للأرض : شققي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين " قالتا أتينا أمرك طائعتين " واختاره ابن جرير { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } أي صنعهنَّ وأبدع خلقهن سبع سماواتٍ في وقت مقدَّر بيومين ، فتمَّ خلق السماواتِ والأرض في ستة أيام ، ولو شاء لخلقهنَّ بلمح البصر ، ولكنْ أراد أن يعلّم عباده الحلم والأناة { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أي أوحى في كل سماء ما أراده ، وما أمر به فيها قال ابن كثير : أي رتَّب في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً } أي وزينَّا السماءَ الأولى القريبة منكم ، بالكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض ، وحرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي ذلك المذكور من الخلق والإِبداع هو صنع الله ، العزيز في ملكه ، العليم بمصالح خلقه { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } أي فإِن أعرضوا عن الإِيمان بعد هذا البيان ، فقل لهم : إني أخوفكم عذاباً هائلاً وهلاكاً مثل هلاك عاد وثمود ، وعبَّر بالماضي إشارةً إلى تحققه وحصوله { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي حين جاءتهم الرسلُ من كل جوانبهم ، واجتهدوا في هدايتهم من كل جهة ، وأعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا العتوَّ والإِعراض { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي بأن لا تعبدوا إلاّ اللهَ وحده { قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } أي لو شاء ربُّنا إرسالَ رسولٍ لجعله ملكاً لا بشراً { فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي فإِنا كافرون برسالتكم ، لا نتبعكم وأنتم بشرٌ مثلُنا ، وفي قولهم { بِمَآ أُرْسِلْتُمْ } ضربٌ من التهكم والسخرية بهم { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } هذا تفصيلٌ لما حلَّ بعاد وثمود من العذاب أي فأمَّا عادٌ فبغوا وعتوا وعصوا ، وتكبروا على عبادِ الله " هود " ومن آمن منهم معه ، بغير استحقاقٍ للتعظم والاستعلاء { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } ؟ أي وقالوا اغتراراً بقوتهم لمّا خُوّفوا بالعذاب : لا أحد أقوى منا فنحن نستطيع أن ندفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا قال أبو السعود : كانوا ذوي أجسام طوال ، وخلق عظيم ، وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من الجبل فيقتلعها بيده { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } جملة اعتراضية للتعجيب من مقالتهم الشنيعة والمعنى أغفلوا عن قدرة الله ولم يعلموا أن الله العظيم الجليل الذي خلقهم وخلق الكائنات ، هو أعظم منهم قوةً وقدرة ؟ { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } أي وكانوا بمعجزاتنا يجحدون قال الرازي : إنهم كانوا يعرفون أنها حقٌّ ولكنهم جحدوا كما يجحد المودعُ الوديعة { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } أي فأرسلنا على عاد ريحاً باردة شديدة البرد ، وشديدة الصوت والهبوب ، تُهلك بشدة صوتها وبردها { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } أي في أيامٍ مشئومات غير مباركاتٍ { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي لكي نذيقهم العذاب المخزي المذل في الدنيا قال الرازي : { عَذَابَ ٱلْخِزْيِ } أي عذاب الهوان والذل ، والسبب أنهم استكبروا عن الإِيمان ، فقابل الله ذلك الاستكبار بإيصال الذل والهوان إليهم { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } أي ولعذابهم في الآخرة أعظم وأشدُّ إهانةً وخزياً من عذاب الدنيا ، وليس لهم ناصر يدفع عنهم ذلك العذاب { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } أي وأمَّا ثمود فبينا لهم طريق الهدى ، ودللناهم على سبيل السعادة ، فاختاروا الضلالة على الهداية ، والكفر على الإِيمان { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } أي فأخذتهم قارعة العذاب الموقع في الإِهانة والذل { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي بسبب إجرامهم وطغيانهم وتكذيبهم لنبيّ الله " صالح " قال ابن كثير : بعث الله عليهم صيحةً ورجفة وذلاً وهواناً ، وعذاباً ونكالاً ، بتكذيبهم صالح وعقرهم الناقة { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } أي ونجينا صالحاً ومن آمن به من ذلك العذاب .