Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-18)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { صَوَّرَكُمْ } التصوير : التخطيط والتشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يتميز بها عن غيره { نَبَأُ } النبأ : الخبر الهام { وَبَالَ } الوبال : العقوبة والنكال { زَعَمَ } ظنَّ ، والزعمُ هو القول بالظن ومنه قولهم " زعموا مطيةُ الكذب " قال شريح : " لكل شيءٍ كنيةٌ ، وكنيةُ الكذب زعموا " { ٱلتَّغَابُنِ } الغبنُ ومعناه : النقص يقال : غبنه غبناً إِذا أخذ الشيء منه بدون قيمته ، وسمي يوم القيامة يوم التغابن ، لأنه يظهر فيه غبن الكافر بتركه الإِيمان ، وغبن المؤمن بتقصيره في الإِحسان . سَبَبُ النّزول : روي أن رجالاً من أهل مكة أسلموا ، وأرادوا أن يهاجروا الى النبي صلى الله عليه وسلم فمنعهم أزواجهم وأولادهم ، وقالوا : صبرنا على إسلامكم ولا صبر لنا على فراقكم ! ؟ فأطاعوهم وتركوا الهجرة فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ … } الآية . التفسِير : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي ينزه الله تعالى ويمجده جميع ما في السماوات والأرض من مخالوقات ، تنزيهاً دائماً مستمراً بدون انقطاع ، وصيغة المضارع تفيد التجدد والاستمرار { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } أي له جل وعلا المُلك التام والتصرف الكامل في خلقه ، وهو المستحق للثناء وحده ، لأن جميع النعم منه سبحانه وتعالى ، وقدَّم الجار والمجرور فيهما لإِفادة حصر الملك والحمد فيه سبحانه { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي قادر على كل شيء ، يغني ويفقر ، ويعز ويذل ، وإِذا أراد شيئاً فإِنما يقول له كن فيكون ، وهو كالدليل لما تقدم من أنَّ الملك والحمد له سبحانه { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } هذا تفصيلٌ لبعض آثار قدرته أي هو الذي خلقكم أيها الناس بهذا الشكل البديع المحكم ، فكان يجب على كل واحدٍ منكم الإِيمان به ، لكنْ منكم من كفر بربه ، ومنكم من آمن وصدَّق بخالقه قال الطبري : أي منكم كافرٌ بخالقه وأنه هو الذي خلقه ، ومنكم مصدِّق به موقنٌ أنه خالقه وبارئه ، وقدَّم الكافر على المؤمن ، لكثرة الكفار وقلة المؤمنين { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي عالمٌ بأحوالكم ، مطَّلعٌ على أعمالكم ، لا تخفى عليه خافية من شئونكم وسيجازيكم عليها … ثم فصَّل تعالى آثار قدرته ودلائل وحدانيته فقال { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي خلقهما بالحكمة البالغة ، المتضمنة لمصالح الدنيا والدين ، لا عبثاً ولا لهواً { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } أي خلقكم في أحسن صورة وأجمل شكل ، فأتقن وأحكم خلقكم وتصويركم كقوله تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] فإِن من نظر في شكل الإِنسان وهيئته وتناسب أعضائه ، علم أن صورته أحسن صورة بالنسبة لسائر أنواع الحيوان ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب على وجهه { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي وإليه تعالى وحده المرجع والمآب ، فيجازي كلاً بعمله { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يعلم ما في الكائنات من أجرامٍ ومخلوقات { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي ويعلم ما تخفونه وما تظهرونه من نواياكم وأعمالكم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي عالم بما في الصدور من الأسرار والخفايا ، فكيف تخفى عليه أعمالكم الظاهرة ؟ قال في البحر : نبَّه تعالى بعلمه بما في السماواتِ والأرض ، ثم بعلمه بما يخفيه العباد وما يعلنونه ، ثم بعلمه بما أكنَّته الصدور ، على أنه تعالى لا يغيب عن علمه شيء ، لا من الكليات ولا من الجزئيات ، فابتدأ بالعلم الشامل ، ثم بسرِّ العباد وعلانيتهم ، ثم بما تنطوي عليه صدروهم ، وهذا كله في معنى الوعيد ، إِذ هو تعالى المجازي عليه بالثواب والعقاب . . ثم ذكَّرهم تعالى بما حلَّ بالكفار قبلهم فقال { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } أي ألم يأتكم يا معشر قريش خبر كفار الأمم الماضية كقوم عاد وثمود ، ماذا حلَّ بهم من العذاب والنكال ! ! { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي فذاقوا العقوبة الوخيمة على كفرهم في الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ولهم في الآخرة عذاب شديد موجع { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي ذلك العذاب الذي ذاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة ، بسبب أنه جاءتهم رسلهم بالمعجزات الواضحات ، والبراهين الساطعات ، الدالة على صدقهم { فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } ؟ أي فقالوا على سبيل الاستغراب والتعجب : أرسلٌ من البشر يصيرون هداةً لنا قال الرازي : أنكروا أن يكون الرسول بشراً ، ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجراً ، وذلك لقلة عقولهم وسخافة أحلامهم { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ } أي فكفروا بالرسول ، وأعرضوا عن الإِيمان واتباع هدى الرحمن { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } أي استغنى الله عن طاعتهم وعبادتهم قال الطبري : أي استغنى اللهُ عنهم ، وعن إِيمانهم به وبرسله { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي غنيٌ عن خلقه ، محمودٌ في ذاته وصفاته ، لا تنفعه طاعة ، ولا تضره معصية ، لأنه مستغنٍ عن العالمين … ثم أخبر تعالى عن إِنكارهم للبعث بعد تكذيبهم للرسالة فقال { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } أي ادَّعى كفار مكة وظنوا أن الله لن يبعثهم من قبورهم بعد موتهم أبداً { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } أي قل لهم يا محمد : ليس الأمر كما زعمتم ، وأقسم بربي لتخرجن من قبوركم أحياء ولتبعثنَّ { ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } أي ثم لتخبرنَّ بجميع أعمالكم ، صغيرها وكبيرها ، جليلها وحقيرها ، وتُجزون بها { وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي وذلك البعث والجزاء ، سهلٌ هينٌ على الله ، لأن الإِعادة أسهل من الابتداء قال الرازي : أنكروا البعث بعد أن صاروا تراباً ، فأخبر تعالى أن إِعادتهم أهونُ في العقول من إنشائهم … ولما بالغ في الإِخبار عن البعث ، وذكر أحوال الأمم المكذبة ، أمر بالاعتصام بالإِيمان والتمسك بالقرآن فقال { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا } أي فصدِّقوا بالله وبرسوله وبهذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فإِنه النور الوضاء ، المبدّد للشبهات ، كما يبدد النور الظلمات { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي لا تخفى عليه خافية من أعمالكم { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } أي واذكروا ذلك اليوم الرهيب - يوم القيامة - الذي يجمع الله فيه الخلائق كلها في صعيد واحد للحساب والجزاء قال ابن كثير : سمُي " يوم الجمع " لأن الله تعالى يجمع فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، كقوله تعالى { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } أي ذلك هو اليوم الذي يظهر فيه غبن الكافر وخسارته بتركه الإِيمان ، وذلك أن المؤمنين اشتروا الجنة بترك الدنيا ، واشترى الكفار النار بترك الآخرة ، فظهر غبن الكافرين قال الخازن : وأصله من الغبن وهو أخذ الشيء بدون قيمته ، والمغبونُ من غُبن أهله ومنازله في الجنة ، وذلك لأن كل كافر له أهلٌ ومنزل في الجنة لو أسلم ، فيظهر يومئذٍ غبن كل كافرٍ بتركه الإِيمان ، ويظهر غبن كل مؤمن بتقصيره في الإِحسان { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ } أي ومن يصدِّق بالله ويعمل عملاً صالحاً ، يمح الله تعالى عنه ذنوبه { وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي ويدخله جنات النعيم ، التي تجري من تحت أشجارها وقصورها أنهارُ الجنة { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي مقيمين في تلك الجنات أبد الحياة ، لا يموتون ولا يُخرجون منها { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك هو الفوز الذي لا فوز وراءه ، والسعادة التي لا سعادة بعدها { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } أي والذين جحدوا بوحدانية الله وقدرته ، وكذبوا بالدلائل الدالة على البعث وبآيات القرآن الكريم { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } أي أولئك مآلهم جهنم ، ماكثين فيها أبداً { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي وبئست النار مرجعاً ومستقراً لأهل الكفر والضلال … ثم أخبر تعالى بأن كل ما يحدث في الكون بقضائه وإِرادته فقال { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي ما أصاب أحداً مصيبةٌ في نفسه أو ماله أو ولده ، إِلا بقضاء الله وقدره { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } أي ومن يصدِّق بالله ويعلم أن كل حادثةٍ بقضائه وقدره ، يهدِ قلبه للصبر والرضا ويثبته على الإِيمان قال ابن عباس : يهدِ قلبه لليقين ، حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه وقال علقمة : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى بها ويُسلم لقضاء الله { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي هو الله تعالى عالمٌ بكل الأشياء ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال القرطبي : أي لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلَّم لأمره ، ولا كراهة من كرهه ولم يرض بقضائه { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله في كل ما شرع لكم من الأوامر والنواهي ، وكرَّر الأمر للتأكيد ولبيان أن طاعة الرسول واجبة كطاعة الله { فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي فإِن أعرضتم عن إجابة الرسول فيما دعاكم إِليه من الهداية والإِيمان ، فليس عليه ضرر إِنما ضرر ذلك عليكم ، إِذ ليس على الرسول إِلا تبليغ الرسالة وقد أدى ما عليه ، والله ينتقم ممن عصاه وخالف أمره { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي اللهُ جل وعلا لا معبود سواه ، ولا خالق غيره ، عليه الاعتماد وإِليه المرجع والمآب { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي فعليه وحده توكلوا أيها المؤمنون في جميع أموركم قال الصاوي : وهو تحريضٌ وحثٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على التوكل على الله ، والالتجاء إِليه ، وفيه تعليمٌ للأمة ذلك ، بأن يلتجئوا إِلى الله ويثقوا بنصره وتأييده { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } أي يا معشر المؤمنين إِن بعض الزوجات والأولاد أعداء لكم ، يصدونكم عن سبيل الله ، ويثبطونكم عن طاعة الله ، فاحذروا أن تستجيبوا لهم وتطيعوهم قال المفسرون : إِن قوماً أسلموا وأرادوا الهجرة ، فثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة ، فلم يهاجروا إِلا بعد مدة ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فندموا وأسفوا وهمُّوا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم فنزلت الآية الكريمة ، والآية تعم كلَّ من انشغل عن طاعة الله بالأزواج والأولاد { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ } أي وإِن عفوتم عنهم في تثبيطكم عن الخير ، وصفحتم عما صدر منهم ، وغفرتم لهم زلاتهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي فإِن الله واسع المغفرة عظيم الرحمة ، يعاملكم بمثل ما عاملتم { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } أي ليست الأموالُ والأولادُ إِلاّ اختباراً وابتلاءً من الله تعالى لخلقه ، ليعلم من يطيعه ومن يعصيه ، وقدَّم المال لأن فتنته أشدُّ { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي وما عند الله من الأجر والثواب أعظم من متاعِ الدنيا ، فلا تشغلكم الأموال والأولاد عن طاعة الله ، والآية ترغيبٌ في الآخرة وتزهيدٌ في الدنيا ، وفي الأموال والأولاد التي فتن الناسُ بها { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } أي ابذلوا أيها المؤمنون في طاعة الله جهدكم وطاقتكم ، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون قال المفسرون : هذا في المأمورات وفضائل الأعمال يأتي الإِنسان منها بقدر طاقته ، وأما في المحظورات فلا بدَّ من اجتنابها بالكلية ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِذا أمرتكم بأمرٍ فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ } أي واسمعوا ما توعظون به ، وأطيعوا فيما تُؤْمرون به وتُنهون عنه { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } أي وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم ، يكنْ خيراً لأنفسكم { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي ومن سلم من البخل والطمع الذي تدعو إِليه النفس ، فقد فاز بكل مطلوب { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } أي إِذا تصدقتم في سبيل الله عن طيب نفس ، فإِن الله يضاعف لكم الأجر والثواب ، وفي تصوير الصدقة بصورة القرض تلطفٌ بليغ في الإِحسان إِلى الفقراء { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي ويمحُ عنكم سيئاتكم { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } أي شاكرٌ للمحسن إِحسانه ، حليمٌ بالعباد حيث لا يعالجهم بالعقوبة مع كثرة ذنوبهم { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي هو تعالى العالم بما غاب وحضر ، لا تخفى عليه خافية { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي الغالب في ملكه الحكيم في صنعه . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق في الاسم مثل { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } وكذلك بين { ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } والطباق في الفعل مثل { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } وهو من المحسنات البديعية . 2 - تقديم الجار والمجرور لإِفادة الحصر { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } أي له وحده الملك والحمد . 3 - الاستعارة اللطيفة { وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا } أطلق على القرآن النور بطريق الاستعارة ، فإِن القرآن يزيل الشبهات ، كما يزيل النور الظلمات . 4 - المقابلة بين جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً … } الآية وبين { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } الآية . 5 - الجناس الناقص { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } لاختلاف الحركات في الشكل . 6 - جناس الاشتقاق { أَصَابَ … مُّصِيبَة } و { يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } . 7 - الإِطناب بتكرار الفعل زيادة في التأكيد واعتناءً بشأن الطاعة { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } . 8 - صيغة المبالغة { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } لأن فعول وفعيل من صيغ المبالغة . 9 - الاستعارة التمثيلية { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } شبَّه الإِنفاق في سبيل الله والتصدق على الفقراء ، بمن يُقرض الله قرضاً واجب الوفاء وذلك بطريق التمثيل ، وهو من لطيف الاستعارة وبديع العبارة . 10 - السجع المرصَّع لتوافق الفواصل مثل { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } .