Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 52-72)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى حال الكفار الأشقياء وخسارتهم الفادحة في الآخرة ، ذكر هنا أنه لا حجة لأحد فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لهداية البشرية ، ثم ذكر قصص بعض الأنبياء فبدأ بنوح عليه السلام شيخ الأنبياء ثم أعقبه بذكر هودٍ عليه السلام وموقف المشركين من دعوة الرسل الكرام . اللغَة : { تَأْوِيلَهُ } عاقبة أمره وما يئول إليه من آل يئول إذا صار إليه { ٱسْتَوَىٰ } الاستواء : العلوّ والاستقرار قال الجوهري : استوى على ظهر الدابة استقرّ ، واستوى إلى السماء قصد ، واستوى الشيءُ إذا اعتدل { يُغْشِي } يغطّي { حَثِيثاً } سريعاً والحثُّ : الإِعجال والسرعة { تَبَارَكَ } تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع قال الأزهري : تبارك أي تعالى وتعاظم وارتفع { تَضَرُّعاً } تذللاً واستكانة وهو إظهار الذل الذي في النفس مع الخشوع { وَخُفْيَةً } سراً { بُشْراً } مبشرة بالمطر { أَقَلَّتْ } حملت { نَكِداً } العِسرِ القليل { آلاۤءِ } [ النجم : 55 ] الآلاء النِّعَم واحدها " لَى " كمِعَى . التفسِير : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ } أي ولقد جئنا أهل مكة بكتاب هو القرآن العظيم { فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } أي بينّا معانيه ووضحنا أحكامه على علم منا حتى جاء قيّماً غير ذي عوج { هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي هداية ورحمة وسعادة لمن آمن به { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي ما ينتظر أهل مكة إلا عاقبة ما وُعدوا به من العذاب والنكال قال قتادة : تأويله عاقبتُه { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } هو يوم القيامة { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي يقول الذين ضيّعوا وتركوا العمل به في الدنيا { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } أي جاءتنا الرسل بالأخبار الصادقة وتحقق لنا صدقهم فلم نؤمن بهم ولم نتبعهم قال الطبري : أقسم المساكين حين حلّ بهم العقاب أن رسل الله قد بلّغتهم الرسالة ونصحتْ لهم وصدَقَتْهم حين لا ينفعهم ولا ينجيهم من سخط الله كثرةُ القيل والقال { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ } أي هل لنا اليوم شفيع يخلصنا من هذا العذاب ؟ استفهام فيه معنى التمني { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } أو هل لنا من عودة إلى الدنيا لنعمل صالحاً غير ما كنا نعمله من المعاصي وقبيح الأعمال ؟ قال تعالى ردّاً عليهم { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي خسروا أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة ، وبطل عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة والأصنام ، ثم ذكر تعالى دلائل القدرة والوحدانية فقال { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي إن معبودكم وخالقكم الذي تعبدونه هو المنفرد بقدرة الإِيجاد الذي خلق السماوات والأرض في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا قال القرطبي : لو أراد لخلقها في لحظة ولكنه أراد أن يعلِّم العبادَ التثبت في الأمور { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي استواءً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيلٍ ولا تحريف كما هو مذهب السلف وكما قال الإِمام مالك رحمه الله : الاستواء معلوم ، والكَيْفُ مجهول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة وقال الإِمام أحمد رحمه الله : أخبارُ الصفات تُمَرُّ كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل فلا يقال : كيف ؟ ولِمَ ؟ نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء ، وكما شاء بلا حدٍّ ولا صفةٍ يبلغها واصف أو يحدها حادُّ ، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما ونَكِلُ الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل وقال القرطبي : لم ينكر أحدٌ من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقةً وإِنما جهلوا كيفية الاستواء فإِنه لا تُعلم حقيقته { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } أي يغطي الليل على النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعاً حتى يدركه { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } أي الجميع تحت قهره ومشيئته وتسخيره { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } أي له الملك والتصرف التام في الكائنات { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي تعظّم وتمجّد الخالق المبدع رب العالمين { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } أي أدعو الله تذللاً وسراً بخشوع وخضوع { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي لا يحب المعتدين في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت وفي الحديث " إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً " { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } أي لا تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها الله ببعثة المرسلين { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } أي خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي رحمته تعالى قريبة من المطيعين الذين يمتثلون أوامره ويتركون زواجره { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي يرسل الرياح مبشرة بالمطر قال في البحر : ومعنى بين يدي رحمته أي أمام نعمته وهو المطر الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها أثراً على الإِنسان { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً } أي حتى إذا حملت الرياح سحاباً مثقلاً بالماء { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } أي سقنا السحاب إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها { فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } أي أنزلنا في ذلك البلد الميت الماء فأخرجنا بذلك الماء من كل أنواع الثمرات { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي مثل هذا الإِخراج نُخرج الموتى من قبورهم لعلكم تعتبرون وتؤمنون قال ابن كثير : وهذا المعنى كثير في القرآن يضرب الله المثل ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها ولهذا قال لعلكم تذكّرون { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي الأرضُ الكريمةُ التربة يَخْرج النبات فيها وافياً حسناً غزير النفع بمشيئة الله وتيسيره ، وهذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها { وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } أي والأرض إذا كانت خبيثة التربة كالحرّة أو السبخة لا يخرج النبات فيها إلا بعسر ومشقة وقليلاً لا خير فيه ، وهذا مثلٌُ للكافر الذي لا ينتفع بالموعظة قال ابن عباس : هذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالمؤمن طيّب وعمله طيب كالأرض الطيبة ثمرها طيب ، والكافر خبيثٌ وعملهُ خبيث كالأرض السبخة المالحة لا ينتفع بها { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } أي كما ضربنا هذا المثل كذلك نبيّن وجوه الحجج ونكررها آية بعد آية ، وحجة بعد حجة لقوم يشكرون الله على نعمه ، وإنما خصّ الشاكرين بالذكر لأنهم المنتفعون بسماع القرآن قال الألوسي : أي مِثلَ هذا التصريف البديع نردِّد الآيات الدالة على القدرة الباهرة ونكررها لقومٍ يشكرون نعم الله تعالى ، وشكرُها بالتفكر والاعتبار بها { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } اللام جواب قسمٍ محذوف أي والله لقد أرسلنا نوحاً ، ونوحٌ شيخ الأنبياء لأنه أطولهم عمراً وهو أول نبيّ بعثه الله بعد إدريس ، ولم يلق نبيٌّ من الأذى مثل نوح { فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي وحدّوا الله ولا تشركوا به فما لكم إلهٌ مستحقٌ للعبادة غيره { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي إِن أشركتم به ولم تؤمنوا فأنا أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيم هو يوم القيامة { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي قال الأشراف والسادة من قومه إنا لنراك يا نوح في ذهابٍ عن طريق الحق والصواب واضح جلي قال أبو حيان : ولم يجبه من قومه إلا أشرافُهم وسادتهم وهم الذين يتعاصون على الرسل لانغماس عقولهم بالدنيا وطلب الرياسة ، وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة { قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ما أنا بضال ولكنْ أنا مرسل إليكم من عند ربكم المالك لأموركم الناظر لكم بالمصلحة { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أنا أبلغكم ما أرسلني الله به إليكم وأقصد صلاحكم وخيركم وأعلم من الأمور الغيبية أشياء لا علم لكم بها قال ابن كثير : وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغاً فصيحاً ناصحاً عالماً بالله لا يدركه أحد من خلق الله في هذه الصفات { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ } أي لا تعجبوا من هذا فإِن هذا ليس بعجيب أن يوحي الله إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفاً وإِحساناً إليكم { لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي ليخوفكم هذا الرسول من العذاب إن لم تؤمنوا ولتتقوا ربكم وتنالكم الرحمة بتقواه { فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ } أي كذبوا نوحاً مع طول مدة إقامته فيهم فأنجاه الله والمؤمنين معه في السفينة { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } أي أهلكنا المكذبين منهم بالغرق { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } أي عميت قلوبهم عن الحق فهم لا يبصرونه ولا يهتدون له قال ابن عباس : عميتْ قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هوداً وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي قال لهم رسولهم وحّدوا الله فليس لكم إله غيره { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي أفلا تخافون عذابه ؟ { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي قال السادة والقادة منهم { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي نراك في خفة حلم وسخافة عقل وإننا لنظنك من الكاذبين في ادعائك الرسالة { قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ليس بي كما تزعمون نقص في العقل ولكني مرسل إليكم بالهداية من رب العالمين { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } أي أبلغكم أوامر الله وأنا ناصح لكم فيما أدعوكم إليه ، أمينٌ على ما أقول لا أكذب فيه قال الزمخشري : وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام مِمَّنْ نسبَهم إلى السفاهة والضلالة - بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم وترك المقابلة - أدبٌ حسنٌ وخُلُق عظيم ، وتعليم للعباد كيف يخاطبون السفهاء ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } أي لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولاً من أنفسكم لينذركم لقاء الله ويخوفكم عذابه { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أي اذكروا نعمة الله حين استخلفكم في الأرض بعد إهلاك قوم نوح { وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } أي زاد في أجسامكم قوةً وضخامة { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي اذكروا نعم الله عليكم كي تفلحوا وتفوزوا بالسعادة { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } أي أجئتنا يا هود تتوعدنا بالعذاب كي نعبد الله وحده ونهجر عبادة الآلهة والأصنام ونتبرأ منها ؟ { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } أي فأتنا بما تعدنا به من العذاب فلن نؤمن لك إن كنت من الصادقين في قولك { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } أي قد حلّ بكم عذاب وغضب من الله { أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي أتخاصمونني في أصنام لا تضر ولا تنفع ما أنزل الله بعبادتها من حجة أو برهان { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } أي فانتظروا نزول العذاب إني من المنتظرين لما يحل بكم وهذا غاية الوعيد والتهديد { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أي أنجينا هوداً والذين معه من المؤمنين رحمة منا لهم { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي استأصلناهم بالكلية ودمرناهم عن آخرهم { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي كذبوا ولم يؤمنوا فاستحقوا العذاب قال أبو السعود : أي أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعووا عن ذلك أبداًَ فأهلكهم الله بالريح العقيم . البَلاَغَة : 1 - { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } الآية على قلة ألفاظها جمعت معاني كثيرة استوعبت جميع الأشياء والشئون على وجه الاستقصاء حتى قال ابن عمر : من بقي له شيء فليطلبه وهذا الأسلوب البليغ يسمى " إيجاز قِصَر " ومداره على جمع الألفاظ القليلة للمعاني الكثيرة . 2 - { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } وصفُ البلد بالموت استعارةٌ حسنة لجدبه وعدم نباته كأنه كالجسد الذي لا روح فيه من حيث عدم الانتفاع به . 3 - { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ } أي مثل إخراج النبات من الأرض نخرج الموتى من قبورهم فهو تشبيه " مرسل مجمل " ذكرت الأداة ولم يذكر وجه الشبه . 4 - { وَقَطَعْنَا دَابِرَ } قطع الدابر كنايةٌ لطيفةٌ عن استئصالهم جميعاً بالهلاك . تنبيه : ذكر العلامة الألوسي عند قوله تعالى { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } عن الحسن البصري أنه قال : لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم وذلك أنه تعالى يقول { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } وأنه سبحانه ذكر عبداً صالحاً فقال { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } [ مريم : 3 ] ثم قال : وذكروا للدعاء آداباً كثيرة منها : أن يكون على طهارة ، وأن يستقبل القبلة ، وتخلية القلب من الشواغل ، وافتتاحه واختتامه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورفع اليدين نحو السماء ، وإشراك المؤمنين فيه ، وتحري ساعات الإِجابة كثلث الليل الأخير ، ووقت إفطار الصائم ، ويوم الجمعة وغير ذلك .