Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-29)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { ٱنكَدَرَتْ } تناثرت { ٱلْعِشَارُ } جمع عشراء وهي الناقة التي مرَّ على حملها عشرة أشهر { كُشِطَتْ } نُزعت وقلعت يقال : كشطت جلد الشاة أي نزعته وسلخته عنها { ٱلْخُنَّسِ } الكواكب المضيئة التي تخنس نهاراً وتختفي عن البصر جمع خانس { ٱلْكُنَّسِ } النجوم التي تغيب يقال : كنس إِذا دخل الكناس وهو المكان الذي تأوي إِليه الظباء { عَسْعَسَ } أقبل بظلامه قال الخليل : عسعس الليلُ : إِذا أقبل أو أدبر فهو من الأضداد قال الشاعر : @ حتَّى إِذا الصُبْحُ لها تنفَّسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا @@ التفسِير : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } هذه الآيات بيانٌ لأهوال القيامة وما يكون فيها من الشدائد والكوارث ، وما يعتري الكون والوجود من مظاهر التغيير والتخريب والمعنى : إِذا الشمس لُفَّت ومُحي ضوءُها { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } أي وإِذا النجوم تساقطت من مواضعها وتناثرت { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } أي وإِذا الجبال حركت من أماكنها ، وسُيّرت في الهواء حتى صارت كالهباء كقوله تعالى { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } أي وإِذا النوق الحوامل تركت هملاً بلا راعٍ ولا طالب ، وخصَّ النوق بالذكر لأنها كرائم أموال العرب { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } أي وإِذا الوحوش جُمعت من أوكارها وأجحارها ذاهلةً من شدة الفزع { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } أي وإِذا البحار تأججت ناراً ، وصارت نيراناً تضطرم وتلتهب { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } أي وإِذا النفوس قُرنت بأشباهها ، فقرن الفاجر مع الفاجر ، والصالح مع الصالح قال الطبري : يُقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، وبين الرجل السوء مع الرجل السُّوء في النار { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } أي وإِذا البنت التي دفنت وهي حية سئلت توبيخاً لقاتلها : ما هو ذنبها حتى قتلت ؟ قال في التسهيل : الموءودة هي البنت التي كان بعض العرب يدفنها حيَّةً من كراهته لها أو غيرته عليها ، فتسأل يوم القيامة { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ؟ على وجه التوبيخ لقاتلها { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } أي وإِذا صحف الأعمال نشرت وبسطت عند الحساب { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } أي وإِذا السماء أزيلت ونزعت من مكانها كما ينزع الجلد عن الشاة { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } أي وإِذا نار جهنم أوقدت وأُضرمت لأعداء الله تعالى { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } أي وإِذا الجنة أدنيت وقربت من المتقين { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } أي علمت كل نفسٍ ما أحضرتْ من خيرٍ أو شر ، وهذه الجملة { عَلِمَتْ نَفْسٌ } هي جواب ما تقدم من أول السورة { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } إِلى هنا ، والمعنى إِذا حدثت تلك الأمور العجيبة الغريبة ، علمت حينئذٍ كل نفسٍ ما قدمته من صالح أو طالح … ثم أقسم تعالى على صدق القرآن ، وصحة رسالة محمد عليه السلام فقال { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } أي فأقسم قسماً مؤكداً بالنجوم المضيئة التي تختفي بالنهار ، وتظهر بالليل { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } أي التي تجري وتسير مع الشمس والقمر ثم تستتر وقت غروبها ، كا تستتر الظباء في كناسها - مغاراتها - قال القرطبي : النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل ، وتكنس وقت غروبها أي تستتر ، كما تكنس الظباء في المغار وهو الكناس { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } أي وأقسم بالليل إِذا أقبل بظلامه حتى غطَّى الكون { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } أي وبالصبح إِذا أضاء وتبلَّج ، واتَّسع ضياؤه حتى صار نهاراً واضحاً { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } هذا هو المقسم عليه أي إِن هذا القرآن الكريم ، لكلامُ الله المنزَّل بواسطة ملك عزيز على الله هو جبريل كقوله تعالى { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193ـ194 ] قال المفسرون : أراد بالرسول " جبريل " وأضاف القرآن إِليه لأنه جاء به ، وهو في الحقيقة قول الله تعالى ، ومما يدل على أن المراد به جبريل قوله بعده { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } أي شديد القوة ، صاحب مكانة رفيعة ، ومنزلة سامية عند الله جلا وعلا { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } أي مطاعٍ هناك في الملأ الأعلى ، تطيعه الملائكة الأبرار ، مؤتمن على الوحي الذي ينزل به على الأنبياء { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } أي وليس محمد الذي صاحبتموه يا معشر قريش ، وعرفتم صدقه ونزاهته ورجاحة عقله بمجنون كما زعمتم قال الخازن : أقسم تعالى على أن القرآن نزل به جبريل الأمين ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون كما يزعم أهل مكة ، فنفى تعالى عنه الجنون ، وكون القرآن من عند نفسه { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي وأقسمُ لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته الملكية التي خلقه الله عليها بجهة الأفق الأعلى البيّن من ناحية المشرق حيث تطلع الشمس قال في البحر : وهذه الرؤية بعد أمر غار حراء ، حين رأى جبريل على كرسي بين السماء والأرض ، في صورته له ستمائة جناح قد سدَّ ما بين المشرق والمغرب { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي وما محمد على الوحي ببخيل يقصِّر في تبليغه وتعليمه ، بل يبلغ رسالة ربه بكل أمانةٍ وصدق { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون كما يقول المشركون { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } أيْ فأيَّ طريقٍ تسلكون في تكذيبكم للقرآن ، واتهامكم له بالسحر والكهانة والشعر ، مع وضوح آياته وسطوع براهينه ؟ وهذا كما تقول لمن ترك الطريق المستقيم : هذا الطريق الواضح فأين تذهب ؟ { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي ما هذا القرآن إِلا موعظة وتذكرة للخلق أجمعين { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } أي لمن شاء منكم أن يتبع الحق ، ويستقيم على شريعة الله ، ويسلك طريق الأبرار { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي وما تقدرون على شيء إِلا بتوفيق الله ولطفه ، فاطلبوا من الله التوفيق إِلى أفضل طريق . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الجناس الناقص بين { ٱلْخُنَّسِ } و { ٱلْكُنَّسِ } . 2 - الاستعارة التصريحية { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } شبَّه إِقبال النهار وسطوع الضياء بنسمات الهواء العليل التي تحيي القلب ، واستعار لفظ التنفس لإِقبال النهار بعد الظلام الدامس ، وهذا من لطيف الاستعارة وأبلغها تصويراً حيث عبر عنه بتنفس الصبح . 3 - الكناية اللطيفة { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } كنى عن محمد صلى الله عليه وسلم بلفظ { صَاحِبُكُمْ } . 4 - الطباق بين لفظ { ٱلْجَحِيمُ … و … ٱلْجَنَّةُ } . 5 - الجناس غير التام بين { أَمِينٍ … و مَكِينٍ } . 6 - توافق الفواصل رعاية لرءوس الآيات مثل { كُوِّرَتْ } ، { سُيِّرَتْ } ، { سُجِّرَتْ } ، { سُعِّرَتْ } ومثل { ٱلْخُنَّسِ } ، { ٱلْكُنَّسِ } ، { عَسْعَسَ } ، { تَنَفَّسَ } الخ .