Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 1-19)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { ٱنفَطَرَتْ } انشقت ، والفطرُ : الشقُّ ومنه فطر نابُ البعير { ٱنتَثَرَتْ } تساقطت وتهاوت { بُعْثِرَتْ } قُلبت يقال : بعثرت المتاع قلبته ظهراً لبطن { غَرَّكَ } خدعك { سَوَّاكَ } جعل أعضاءك سليمة سويّة { يَصْلَوْنَهَا } يدخلونها ويذوقون لهبها وحرَّها . التفسِير : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } أي إِذا السماء انشقت بأمر الله لنزول الملائكة كقوله تعالى { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } أي وإِذا النجوم تساقطت وتناثرت ، وزالت عن بروجها وأماكنها { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } أي وإِذا البحار فتح بعضها إِلى بعض ، فاختلط عذبها بمالحها ، وأصبحت بحراً واحداً { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } أي وإِذا القبور قلبت ، ونش ما فيها من الموتى ، وصار ما في باطنها ظاهراً على وجهها { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } هذا هو الجواب أي علمت عندئذٍ كل نفس ما أسلفت من خير أو شر ، وما قدمت من صالح أو طالح قال الطبري : ما قدمت من عمل صالح ، وما أخرت من شيء سنَّه فعمل به بعده ثم بعد ذكر أحوال الآخرة وأهوالها ، انتقلت الآيات لتذكير الإِنسان الغافل الجاهل بما أمامه من أهوال وشدائد فقال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } أيْ أيُّ شيءٍ خدعك برك الحليم الكريم ، حتى عصيته وتجرأت على مخالفة أمره ، مع إِحسانه إِليك وعطفه عليك ؟ وهذا توبيخ وعتاب كأنه قال : كيف قابلتَ إِحسان ربك بالعصيان ، ورأفته بك بالتمرد والطغيان { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] ؟ ثم عدَّد نعمه عليه فقال { ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ } أي الذي أوجدك من العدم ، فجعلك سوياً سالم الأعضاء ، تسمع وتعقل وتبصر { فَعَدَلَكَ } أي جعلك معتدل القامة منتصباً في أحسن الهيئات والأشكال { فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } أي ركبك في أي صورة شاءها واختارها لك من الصور الحسنة العجيبة ولم يجعلك في الشكل كالبهيمة كقوله تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] … ثم وبَّخ المشركين على تكذيبهم بيوم الدين فقال { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ } أي ارتدعوا يا أهل مكة ، ولا تغتروا بحلم الله ، بل أنتم تكذبون بيوم الحساب والجزاء { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } أي والحالُ أن عليكم ملائكة حفظة يضبطون أعمالكم ويراقبون تصرفاتكم قال القرطبي : أي عليكم رقباء من الملائكة { كِرَاماً كَاتِبِينَ } أي كراماً على الله ، يكتبون أقوالكم وأعمالكم { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } أي يعلمون ما يصدر منكم من خير وشر ، ويسجلونه في صحائف أعمالكم ، لتجازوا به يوم القيامة … ثم بيَّن تعالى انقسام الخلق يوم القيامة إِلى أبرار وفجار ، وذكر مآل كلٍ من الفريقين فقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } أي إِن المؤمنين الذين اتقوا ربهم في الدنيا ، لفي بهجة وسرور لا يوصف ، يتنعمون في رياض الجنة بما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهم مخلدون في الجنة { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } أي وإِن الكفرة الفجار ، الذين عصوا ربهم في الدنيا ، لفي نار محرقةٍ ، وعذاب دائم مقيم في دار الجحيم { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } أي يدخلونها ويقاسون حرها يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } أي وليسوا بغائبين عن جهنم ، بعيدين عنها لا يرونها ، بل هي أمامهم يَصْلَونَ ويذوقون سعيرها ولا يخرجون منها أبداً . { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } تعظيمٌ له وتهويل أي ما أعلمك ما هو يوم الدين ؟ وأيُّ شيءٍ هو في شدته وهوله ؟ { ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } ؟ كرر ذكره تعظيماً لشأنه ، وتهويلاً لأمره كقوله { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [ الحاقة : 1 - 3 ] ؟ كأنه يقول : إِن يوم الجزاء من شدته بحيث لا يدري أحدٌ مقدار هوله وعظمته ، فهو فوق الوصف والبيان { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } أي هو ذلك اليوم الرهيب الذي لا يستطيع أحد أن ينفع أحداً بشيء من الأشياء ، ولا أن يدفع عنه ضراً { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } أي والأمر في ذلك اليوم لله وحده لا ينازعه فيه أحد . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق بين { قَدَّمَتْ } و { أَخَّرَتْ } وهو من المحسنات البديعية . 2 - المقابلة اللطيفة بين الأبرار والفجار { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } فقد قابل الأبرار بالفجار ، والنعيم بالجحيم وفيه أيضاً من المحسنات البديعية ما يسمى بالترصيع . 3 - الاستعارة المكنية { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } شبَّه الكواكب بجواهر قطع سلكها فتناثرت متفرقة ، وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو الانتثار على طريق الاستعارة المكنية . 4 - الاستفهام للتوبيخ والإِنكار { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } ؟ 5 - التنكير في كلٍ من لفظة { نَعِيمٍ } و { جَحِيمٍ } للتعظيم والتهويل . 6 - الإِطناب بإِعادة الجملة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } ؟ لتعظيم هول ذلك اليوم وبيان شدته كأنه فوق الوصف الخيال . 7 - السجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية مثل { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ * وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } ومثل { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ } ومثل { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } . لطيفَة : روي أن الخليفة " سليمان بن عبد الملك " قال لأبي حازم المزني : ليت شعري أين مصيرنا يوم القيامة ؟ وما لنا عند الله ؟ فقال له : اعرضْ عملك على كتاب الله تجد ما لك عند الله ! فقال : وأين أجد ذلك في كتاب الله ! ! قال : عند قوله تعالى { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } قال سليمان : فإين إِذاً هي رحمة الله ؟ فأجابه بقوله { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] .