Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-17)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { ٱلطَّارِقُ } مأخوذ من الطرق بمعنى الضرب بشدة ومنه المطرقة ، وكل ما جاء بليل يسمى طارقاً { دَافِقٍ } مصبوب بقوة وشدة يقال : دفق الماء دفقاً إِذا انصبَّ بدفع وشدة { ٱلتَّرَآئِبِ } عظام الصدر جمع تريبة مثل فصيلة وفصائل قال امرؤ القيس : @ " تَرائبُها مصقولةٌ كالسجنجل " @@ { ٱلرَّجْعِ } المطر سمي به لرجوعه إِلى الأرض مراراً { ٱلصَّدْعِ } النبات الذي تنشق عنه الأرض { رُوَيْداً } قليلاً أو قريباً . التفسِير : { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } أي أٌقسم بالسماءِ وبالكواكب النيرة ، التي تظهر ليلاً وتختفي نهاراً قال المفسرون : سُمي النجم طارقاً لأنه إِنما يظهر بالليل ويختفي بالنهار ، وكلُّ ما يجيء ليلاً فهو طارق { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } استفهام للتفخيم والتعظيم أي وما الذي أعلمك يا محمد ما حقيقة هذا النجم ؟ ثم فسره بقوله { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي النجم المضيء الذي يثقب الظلام بضيائه قال الصاوي : قد كثر منه تعالى في كتابه المجيد ذكرُ الشمس والقمر والنجوم ، لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ، ومغاربها عجيبة دالة على انفراد خالقها بالكمالات ، لأن الصّنعة تدل على الصانع { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } هذا جواب القسم أي ما كلُّ نفسٍ إِلا عليها حافظ من الملائكة ، يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خيرٍ وشر كقوله { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 - 11 ] قال ابن كثير : أي كلُّ نفسٍ عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات … ثم أمر تعالى بالنظر والتفكر في خلق الإِنسان ، تنبيهاً على إِمكان البعث والحشر فقال { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } ؟ أي فلينظر الإِنسان في أول نشأته نظرة تفكرٍ واعتبار ، من أي شيءٍ خلقه الله ؟ { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي خلق من المنيّ المتدفق ، الذي ينصب بقوةٍ وشدة ، يتدفق من الرجل والمرأة فيتكون منه الولد بإِذن الله { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } أي يخرج هذا الماء من بين الصلب وعظم الصدر ، من الرجل والمرأة { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } أي إِن الله تعالى الذي خلق الإِنسان ابتداءً ، قادر على إِعادته بعد موته قال ابن كثير : نبه تعالى الإِنسان على ضعف أصله الذي خلق منه ، وأرشده إِلى الاعتراف بالمعاد ، لأن من قدر على البداءة ، فهو قادر على الإِعادة بطريق الأولى { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي يوم تمتحن القلوب وتختبر ، ويُعرف ما بها من العقائد والنيات ، ويميز بين ما طاب منها وما خبث { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } أي فليس للإِنسان في ذلك الوقت قوة تدفع عنه العذاب ، ولا ناصر ينصره ويجيره ، قال في التسهيل : لما كان دفع المكاره في الدنيا إِما بقوة الإِنسان ، أو بنصرة غيره له ، أخبره الله تعالى أنه يعدمها يوم القيامة ، فلا قوة له في نفسه ، ولا أحد ينصره من الله . . ولما ذكر تعالى أمر المبدأ والمعاد ، عاد فأقسم على صدق هذا الكتاب المعجز فقال { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } أي أُقسم بالسماء ذات المطر ، الذي يرجع على العباد حيناً بعد حين قال ابن عباس : الرَّجع المطرُ ولولاه لهلك الناس وهلكت مواشيهم { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أي وأُقسم بالأرض التي تتصدع وتنشق ، فيخرج منها النبات والأشجار والأزهار قال ابن عباس : هو انصداعها عن النبات والثمار … أقسم سبحانه وتعالى بالسماء التي تفيض علينا الماء ، وبالأرض التي تخرج لنا الثمار والنبات ، والسماء للخلق كالأب ، والأرض لهم كالأم ، ومن بينهما تتولد النعم العظيمة ، والخيرات العميمة ، التي بها بقاء الإِنسان والحيوان { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي إِن هذا القرآن لقولٌ فاصل بين الحق والباطل ، قد بلغ الغاية في بيانه وتشريعه وإِعجازه { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } أي ليس فيه شيءٌ من اللهو والباطل والعبث ، بل هو جدٌّ كله ، لأنه كلام أحكم الحاكمين ، فجديرٌ بقارئه أن يتعظ بآياته ، ويستنير بتوجيهاته وإِرشاداته { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } أي إِن هؤلاء المشركين - كفار مكة - يعملون المكايد لإِطفاء نور الله ، وإِبطال شريعة محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَكِيدُ كَيْداً } أي وأجازيهم على كيدهم بالإِمهال ثم النكال ، حيث آخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر كقوله تعالى { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] قال أبو السعود : أي أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث استدرجهم من حيث لا يعلمون { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } أي لا تستعجل في هلاكهم والانتقام منهم ، وأمهلهم قليلاً فسوف ترى ما أصنع بهم ، وهذا منتهى الوعيد والتهديد . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الاستفهام للتفخيم والتعظيم { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } ؟ 2 - الطباق بين { ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } وبين { الفصل والهزل } . 3 - جناس الاشتقاق { يَكِيدُونَ كَيْداً } . 4 - الإِطناب بتكرار الفعل مبالغة في الوعيد { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } . 5 - الكناية اللطيفة { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } كنَّى بالصلب عن الرجل ، وبالترائب عن المرأة ، وهذا من لطيف الكنايات . 6 - السجع الرصين الذي يزيد في جمال الأسلوب ورشاقته ونضارته مثل { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } ومثل { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } وهو من المحسنات البديعية .