Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-19)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { غُثَآءً } الغُثاء : ما يقذف به السيل على جانب الوادي من الحشائش والأوراق والنباتات { أَحْوَىٰ } أسود مأخوذ من الحُوة وهي السواد أو السمرة { يَصْلَى } يدخل ويقاسي حرّها يقال : أصليتُه ناراً وجعلته يذوق حرها . التفسِير : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } أي نزِّه يا محمد ربك العلي الكبير عن صفات النقص ، وعما يقوله الظالمون ، مما لا يليق به سبحانه وتعالى من النقائص والقبائح ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : " سبحانه ربي الأعلى " . ثم ذكر من أوصافه الجليلة ، ومظاهر قدرته الباهرة ، ودلائل وحدانيته وكماله فقال { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } أي خلق المخلوقات جميعها ، فأتقن خلقها ، وأبدع صنعها ، في أجمل الأشكال ، وأحسن الهيئات قال في البحر : أي خلق كل شيء فسواه ، بحيث لم يأت متفاوتاً ، بل متناسباً على إحكام وإتقان ، للدلالة على أنه صادر من عالم حكيم { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } أي قدَّر في كل شيء خواصه ومزاياه بما تجلُّ عنه العقول والأفهام ، وهدى الإِنسان لوجه الانتفاع بما أودعه فيها ، وهدى الإِنعام إلى مراعيها ، ولو تأملت ما في النباتات من الخواص ، وما في المعادن من المزايا والمنافع ، واهتداء الإِنسان لاستخراج الأدوية والعقاقير النافعة من النباتات ، واستخدام المعادن في صنع المدافع والطائرات ، لعلمتَ حكمةَ العلي القدير ، الذي لولا تقديره وهدايته لكنا نهيم في دياجير الظلام كسائر الأنعام قال المفسرون : إِنما حذف المفعول لإِفادة العموم أي قدَّر لكل مخلوق وحيوان ما يصلحه ، فهداه إِليه وعَرَّفه وجه الانتفاع به { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } أي أنبت ما ترعاه الدواب ، من الحشائش والأعشاب { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } أي فصيَّره بعد الخضرة أسود بالياً ، بعد أن كان ناضراً زاهياً ، ولا يخفى ما في المرعى من المنفعة بعد صيرورته هشيماً يابساً ، فإنه يكون طعاماً جيداً لكثير من الحيوانات ، فسبحان من أحكم كل شيء و { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] ! ! وبعد أن ذكر دلائل قدرته ووحدانيته ، ذكر فضله وإنعامه على رسوله فقال { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } أي سنقرئك يا محمد هذا القرآن العظيم فتحفظه في صدرك ولا تنساه { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } أي لكن ما أراد الله نسخه فإنك تنساه … وفي هذه الآية معجزة له عليه الصلاة والسلام ، لأنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام ، وكونه يحفظ هذا الكتاب العظيم من غير دراسة ولا تكرار ولا ينساه أبداً ، من أعظم البراهين على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير : هذا إخبار من الله تعالى ووعدٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } أي هو تعالى عالم بما يجهر به العباد وما يخفونه من الأقوال والأفعال ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } أي ونوفقك للشريعة السمحة البالغة اليسر ، التي هي أيسر وأسهل الشرائع السماوية ، وهي شريعة الإِسلام { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } أي فذكر يا محمد بهذا القرآن حيث تنفع الموعظة والتذكرة كقوله { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] قال ابن كثير : ومن هٰهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم ، فلا يضعه عند غير أهله ، كما قال علي رضي الله عنه " ما أنت بمحدّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم ، إلا فتنة لبعضهم " وقال : حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله " ؟ { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } أي سينتفع بهذه الذكرى والموعظة من يخاف الله تعالى { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } أي ويرفضها ويبتعد عن قبول الموعظة الكافر المبالغ في الشقاوة { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي الذي يدخل نار جهنم المستعرة ، العظيمة الفظيعة قال الحسن : النار الكبرى نارُ الآخرة ، والصغرى نارُ الدنيا { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } أي لا يموت فيستريح ، ولا يحيا الحياة الطيبة الكريمة ، بل هو دائم في العذاب والشقاء { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي قد فاز من طهَّر نفسه بالإِيمان ، وأخلص عمله للرحمن { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي وذكر عظمة ربه وجلاله ، فصلى خشوعاً وامتثالا لأمره { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي بل تفضلون أيها الناس هذه الحياة الفانية على الآخرة الباقية ، فتشتغلون لها وتنسون الآخرة { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي والحال أن الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى ، لأن الدنيا فانية ، والآخرة باقية ، والباقي خيرٌ من الفاني ، فكيف يؤثر عاقلٌ ما يفنى على ما يبقى ؟ وكيف يهتم بدار الغرور ، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلود ؟ قرأ ابن مسعود هذه الآية فقال لأصحابه : أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة ؟ قالوا : لا ، قال : لأن الدنيا أحضرت وعجلت لنا بطعامها ، وشرابها ، ونسائها ، ولذاتها ، وبهجتها ، وإن الآخرة غُيبتْ وزُويت عنا ، فأحببنا العاجل ، وتركنا الآجل { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } أي إن هذه المواعظ المذكورة في هذه السورة ، مثبتة في الصحف القديمة المنزلة على إِبراهيم وموسى عليهما السلام ، فهي مما توافقت فيه الشرائع ، وسطرته الكتب السماوية ، كما سطره هذا الكتاب المجيد . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق { لاَ يَمُوتُ … وَلاَ يَحْيَا } وكذلك { ٱلْجَهْرَ … وَمَا يَخْفَىٰ } . 2 - جناس الاشتقاق { نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } و { ذَكِّرْ … و ٱلذِّكْرَىٰ } . 3 - المقابلة بين { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } وبين { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } . 4 - حذف المفعول ليفيد العموم في قوله { خَلَقَ فَسَوَّىٰ } وفي { قَدَّرَ فَهَدَىٰ } لأن المراد خلق كل شيء فسواه ، وقدر كل شيء فهداه . 5 - السجع غير المتكلف وهو كثير في القرآن مثل { أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ * سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } وهو من المحسنات البديعية . تنبيه : صحف موسى غير التوراة ، وقد ورد أنه أعطي عشر صحف وكانت كلها عبراً ، قال أبو ذر : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صحف موسى ما كانت ؟ قال : كانت عبراً كلها ( عجبتُ لمن أيقن بالموت كيف يفرح ! عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك ! عجبتُ لمن رأى الدنيا وتقلُّبها بأهلها كيف يطمئن إليها ! عجبت لمن أيقن بالقَدَر ثم ينصب ! عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل ! ! ) .