Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-26)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { ٱلْغَاشِيَةِ } القيامة تغشى الناس بأهوالها { خَاشِعَةٌ } ذليلة خاضعة { نَّاصِبَةٌ } من النصب وهو التعب { ضَرِيعٍ } شيء في النار كالشوك مرٌّ منتنٌ { نَّاعِمَةٌ } ذات حسن وبهجة ونضارة { نَمَارِقُ } وسائد ومرافق يُتكأ عليها جمع نمرقة قال زهير : @ كهولاً وشباناً حساناً وجوهُهم على سُرر مصفوفةٍ ونمارق @@ { زَرَابِيُّ } بسط فاخرة جمع زريبة وقال الفراء : هي الطنافس التي لها خملٌ رقيق ، { مَبْثُوثَةٌ } مفرَّقة في المجالس { إِيَابَهُمْ } رجوعهم . التفسِير : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } الاستفهام للتشويق الى استماع الخبر ، وللتنبيه والتفخيم لشأنها أي هل جاءك يا محمد خبرُ الداهية العظيمة التي تغشى الناس وتعمُّهم بشدائدها وأهوالها ، وهي القيامة ؟ قال المفسرون : سميت غاشية لأنها تغشى الخلائق بأهوالها وشدائدها ، وتعمُّهم بما فيها من المكاره والكوارث العظيمة { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } أي وجوهٌ في ذلك اليوم ذليلة خاضعةٌ مهينة { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } أي دائبة العمل فيما يُتعبها ويشقيها في النار قال المفسرون : هذه الآية في الكفار ، يتعبون ويشقون بسبب جر السلاسل والأغلال ، وخوضهم في النار خوض الإِبل في الوحل ، والصعود والهبوط في تلالها ودركاتها كما قال تعالى { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } [ غافر : 71 - 72 ] وهذا جزاء تكبرهم في الدنيا عن عبادة الله ، وانهماكهم في اللذات والشهوات { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } أي تدخل ناراً مسعَّرة شديدة الحر قال ابن عباس : قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي تسقى من عين متناهية الحرارة ، وصل حرها وغليانها درجة النهاية { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } أي ليس لأهل النار طعام إلا الضريع وهو نبتٌ ذو شوك تسميه قريش " الشبرق " وهو أخبث طعامٍ وأبشعه وهو سم قاتل قال قتادة : هو شر الطعام وأبشعه وأخبثه … ذكر تعالى هنا أن طعامهم الضريع { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } وقال في الحاقَّة { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] ولا تنافي بينهما ، لأن العقاب ألوان ، والمعذبون أنواع ، فمنهم من يكون طعامه الزقوم ، ومنهم من يكون طعامه الضريع ، ومنهم من يكون طعامه الغسلين ، وهكذا يتنوع العذاب { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } أي لا يفيد القوة والسمن في البدن ، ولا يدفع الجوع عن آكله قال أبو السعود : أي ليس من شأنه الإِسمانُ والإِشباع ، كما هو شأن طعام الدنيا ، وقد روي أنه يُسلَّط عليهم الجوع بحيث يضطرهم إلى أكل الضريع ، فإِذا أكلوه يُسلط عليهم العطش فيضطرهم إلى شرب الحميم ، فيشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] … ولما ذكر حال الأشقياء أهل النار ، أتبعه بذكر حال السعداء أهل الجنة فقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } أي وجوه المؤمنين يوم القيامة ناعمة ذات بهجةٍ وحسن ، وإشراق ونضارة كقوله تعالى { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } [ المطفيين : 24 ] { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } أي لعملها الذي عملته في الدنيا وطاعتها لله راضية مطمئنة ، لأن هذا العمل أورثها الفردوس دار المتقين { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } أي في حدائق وبساتين مرتفعة مكاناً وقدراً ، وهم في الغرفات آمنون { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } أي لا تسمع في الجنة شتماً ، أو سباً ، أو فحشاً قال ابن عباس : لا تسمع أذى ولا باطلاً { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } أي فيها عيونٌ تجري بالماء السلسبيل لا تنقطع أبداً قال الزمخشري : التنوين في { عَيْنٌ } للتكثير أي عيونٌ كثيرة تجري مياهها { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } أي في الجنة أسرة مرتفعة ، مكللة بالزبرجد والياقوت ، عليها الحور العين ، فإِذا أراد وليُّ الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } أي وأقداح موضوعة على حافات العيون ، معدة لشرابهم لا تحتاج إلى من يملأها { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } أي ووسائد - مخدَّات - قد صُفَّ بعضها إلى جانب بعض ليستندوا عليها { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } أي وفيها طنافس فاخرة لها خمل رقيق مبسوطة في أنحاء الجنة … ثم ذكر تعالى الدلائل والبراهين الدالة على قدرته ووحدانيته فقال { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي أفلا ينظر هؤلاء الناس نظر تكفر واعتبار ، إِلى الإِبل - الجمال - كيف خلقها الله خلقاً عجيباً بديعاً يدل على قدرة خالقها ؟ ! قال في التسهيل : في الآية حضٌ على النظر في خلقتها ، لما فيها من العجائب في قوتها ، وانقيادها مع ذلك لكل ضعيف ، وصبرها على العطش ، وكثرة المنافع التي فيها ، من الركوب والحمل عليها ، وأكل لحومها ، وشرب ألبانها وغير ذلك { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } أي وإلى السماء البديعة المحكمة ، كيف رفع الله بناءها ، وأعلى سمكها بلا عمد ولا دعائم ؟ { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } أي إلى الجبال الشاهقة كيف نصبت على الأرض نصباً ثابتاً راسخاً لا يتزلزل ؟ ! { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } أي وإلى الأرض التي يعيشون عليها ، كيف بسطت ومُهدت حتى صارت شاسعة واسعة يستقرون عليها ، ويزرعون فيها أنواع المزروعات ؟ ! قال الألوسي : ولا ينافي هذا ، القول بأنها كرة أو قريبة من الكرة لمكان عظمها والحكمةُ في تخصيص هذه الأشياء بالذكر ، أن القرآن نزل على العرب وكانوا يسافرون كثيراً في الأودية والبراري منفردين عن الناس ، والإِنسان إِذا ابتعد عن المدينة أقبل على التفكر ، فأول ما يقع بصره على البعير الذي يركبه فيرى منظراً عجيباً ، وإن نظر فوق لم ير غير السماء ، وإِن نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال ، وإِن نظر تحت لم ير غير الأرض ، فلذلك ذكر هذه الأشياء قال ابن كثير : نبه تعالى البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكبٌ عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته ، على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم ، الخالق المالك المتصرف ، الذي لا يستحق العبادة سواه . . ولما ذكر تعالى دلائل التوحيد ولم يعتبر بذلك الكفار ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بوعظهم وتذكيرهم فقال { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } أي فعظهم يا محمد وخوفهم ، ولا يهمنَّك أنهم لا ينظرون ولا يتفكرون ، فإنما أنت واعظ ومرشد { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } أي لست بمتسلط عليهم ولا قاهر لهم حتى تجبرهم على الإِيمان { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } أي لكن من أعرض عن الوعظ والتذكير ، وكفر بالله العلي القدير { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } أي فيعذبه الله بنار جهنم الدائم عذابها قال القرطبي : وإِنما قال { ٱلأَكْبَرَ } لأنهم عُذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } أي إِلينا وحدنا رجوعهم بعد الموت { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } أي ثم إن علينا وحدنا حسابهم وجزاءهم . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - أسلوب التشويق { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } ؟ 2 - المجار المرسل بإِطلاق الجزء وإرادة الكل { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } المراد أصحابها . 3 - الطباق في الحرف بين { إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ … و عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } . 4 - جناس الاشتقاق { فَذَكِّرْ … مُذَكِّرٌ } وبين { يُعَذِّبُهُ … وٱلْعَذَابَ } . 5 - المقابلة بين وجوه الأبرار ووجوه الفجار { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } قابل بينها وبين سابقتها { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } . 6 - السجع الرصين غير المتكلف مثل { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } … الخ . تنبيه : روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام ، أتاه راهب شيخ كبير عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين إنه نصراني ؟ فقال : ذكرتُ قول الله عز وجل { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } فبكيتُ رحمةً عليه .