Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-21)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { تَجَلَّىٰ } انكشف وظهر { شَتَّىٰ } متفرق ومختلف { ٱلْحُسْنَىٰ } الكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد { الْيُسْرَىٰ } الخصلة المؤدية الى اليسر والراحة وهي الجنة { الْعُسْرَىٰ } الخصلة المؤدية إلى العسر والشدة وهي جهنم { تَرَدَّىٰ } هلك وسقط في الهاوية { تَلَظَّىٰ } أصلها تتلظى أي تتلهب وتتوقد { يَصْلاَهَآ } يدخلها ويقاسي حرها . المنَاسَبَة : روي أن بلالاً رضي الله عنه كان عبداً مملوكاً لـ " أُمية بن خلف " وكان سيده يعذبه لإِسلامه ، ويخرجه إِذا حميت الشمسُ فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ! ! فيقول وهو في تلك الحالة : أحدٌ ، أحد ، فمرَّ به أبو بكر الصديق وهم يصنعون به ذلك ، فقال لأمية : ألا تتقي الله في هذا المسكين ! ! فقال له : أنت أفسدته عليَّ فأنقذه مما ترى ، فاشتراه أبو بكرٍ منه وأعتقه في سبيل الله ، فقال المشركون : إِنما أعتقه ليدٍ كانت له عنده فنزلت { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } . التفسِير : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } أي أُقسمُ بالليل إِذا غطَّى بظلمته الكون ، وستر بشبحه الوجود { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أي وأُقسمُ بالنهار إِذا تجلَّى وانكشف ، وأنار العالم وأضاء الكون قال المفسرون : أقسم تعالى بالليل لأنه سكنٌ لكافة الخلق ، يأوي فيه الإِنسان والحيوان إِلى مأواه ، ويسكن عن الاضطراب والحركة ، ثم أقسم بالنهار لأن فيه حركة الخلق وسعيهم إِلى اكتساب الرزق ، والحكمة في هذا القسم ما في تعاقب الليل والنهار من مصالح لا تُحصى فإِنه لو كان العمر كله ليلاً لتعذر المعاش ، ولو كان كله نهاراً لما سكن الإِنسان إلى الراحة ، ولاختلت مصالح البشر { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } أي وأُقسمُ بالقادر العظيم الذي خلق صنفي الذكر والأنثى ، من نطفةٍ إِذا تمنى … أقسم تعالى بذاته على خلق النوعين { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } للتنبيه على أنه الخالق المبدع الحكيم ، إِذْ لا يُعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى يحصل بمحض الصدفة من طبيعة بلهاء لا شعور لها فإِن الأجزاء الأصلية في المنيّ متساوية ، فتكوينُ الولد من عناصر واحدة تارةً ذكراً ، وتارة أنثى ، دليلٌ على أن واضع هذا النظام عالم ، بما يفعل ، محكم لما يصنع { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } هذا هو جواب القسم أي إِن عملكم لمختلف ، فمنكم تقيٌ ومنكم شقي ، ومنكم صالحٌ ومنكم طالح ، ثم فسَّره بقوله { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } أي فأما من أعطى ماله وأنفق ابتغاء وجه الله ، واتقى ربه فكف عن محارم الله قال ابن كثير : أعطى ما أُمر باخراجه ، واتقى الله في أموره { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي وصدَّق بالجنة التي أعدَّها الله للأبرار { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } أي فسنهيئه لعمل الخير ، ونسهّل عليه الخصلة المؤدية لليسر ، وهي فعل الطاعات وترك المحرمات { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } أي وأمَّا من بخل بإِنفاق المال ، واستغنى عن عبادة ذي الجلال قال ابن عباس : بخل بماله ، واستغنى عن ربه عزَّ وجل { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي وكذَّب بالجنة ونعيمها { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } أي فسنهيئه للخصلة المؤدية للعسر ، وهي الحياة السيئة في الدنيا والآخرة وهي طريق الشر قال المفسرون : سمَّى طريقة الخير يسرى لأن عاقبتها اليسر وهي دخول الجنة دار النعيم ، وسمَّى طريقة الشرِّ عسرى لأن عاقبتها العسر وهو دخول الجحيم { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } استفهام إِنكاري أيْ أيُّ شيء ينفعه ماله إِذا هلك وهوى في نار جهنم ؟ هل ينفعه المال ، ويدفع عنه الوبال ؟ { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } أي إِنَّ علينا أن نبيِّن للناس طريق الهدى من طريق الضلالة ، ونوضّح سبيل الرشد من سبيل الغي كقوله { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } أي لنا ما في الدنيا والآخرة ، فمن طلبهما من غير الله فقد أخطأ الطريق { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } أي فحذرتكم يا أهل مكة ناراً تتوقَّد وتتوهج من شدة حرارتها { لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } أي لا يدخلها للخلود فيها ولا يذوق سعيرها ، إِلاّ الكافر الشقي … ثم فسَّره تعالى بقوله { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أي كذَّب الرسل وأعرض عن الإِيمان { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } أي وسيبعد عن النار التقيُ النقيُّ ، المبالغ في اجتناب الشرك والمعاصي … ثم فسَّره تعالى بقوله { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } أي الذي ينفق ماله في وجوه الخير ليزكي نفسه { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } أي وليس لأحدٍ عنده نعمة حتى يكافئه عليها ، وإِنما ينفق لوجه الله قال المفسرون : نزلت الآيات في حقِّ " أبي بكر الصديق " حين اشترى بلالاً وأعتقه في سبيل الله فقال المشركون : إِنما فعل ذلك ليد كانت له عنده فنزلت { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } أي ليس له غاية إِلا مرضاة الله { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } أي ولسوف يعطيه الله في الآخرة ما يرضيه وهو وعدٌ كريم من رب رحيم . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق بين لفظة { ٱلأَشْقَى } و { ٱلأَتْقَى } وبين { الْيُسْرَىٰ } و { الْعُسْرَىٰ } . 2 - المقابلة اللطيفة { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } وبين { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } الآيات . 3 - جناس الاشتقاق { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } لأن اليسرى من التيسير فبينهما مجانسة . 4 - حذف المفعول للتعميم ليذهب ذهن السامع كل مذهب { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ … } الآيات . 5 - السجع الرصين غير المتكلف كقوله { لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى … وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } الخ . كان عمر رضي الله عنه يقول : أعتق سيدُنا سيدَنا يريد أعتق سيدنا أبو بكر سيدنا بلالاً ، فما أروع هذه النفوس ؟ اللهم ارزقنا محبة أصحاب الرسول جميعاً .