Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
التفسِير : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } استفهامٌ بمعنى التقرير أي قد شرحنا لك صدرك يا محمد بالهدى والإِيمان ، ونور القرآن كقوله تعالى { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [ الأَنعام : 125 ] قال ابن كثير : أي نورناه وجعلناه فسيحاً ، رحيباً ، واسعاً ، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً ، سمحاً ، سهلاً ، لا حرج فيه ولا إِصرْ ولا ضيق وقال أبو حيان : شرحُ الصدر تنويره بالحكمة ، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إِليه وهو قول الجمهور ، وقيل : هو شق جبريل لصدره في صغره وهو مرويٌ عن ابن عباس { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } أي حططنا عنك حملك الثقيل { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أي الذي أثقل وأوهن ظهرك قال المفسرون : المراد بالوزر الأمور التي فعلها صلى الله عليه وسلم ، وَوَضْعُها عنه هو غفرانها له كقوله تعالى { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] وليس المراد بالذنوب المعاصي والأثام ، فإِن الرسل معصومون من مقارفة الجرائم ، ولكن ما فعله عليه السلام عن اجتهاد وعوتب عليه ، كإِذنه صلى الله عليه وسلم للمنافقين في التخلف عن الجهاد حين اعتذروا ، وأخذه الفداء من أسرى بدر ، وعبسه في وجه الأعمى ونحو ذلك ، قال في التسهيل : وإِنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل ، وهي صغائر مغفورة لهم ، لهمِّهم بها وتحسرهم عليها ، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله وهذا كما ورد في الأثر " إِنَّ المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه ، والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه " والنقيضُ هو الصوتُ الذي يسمع من المحمل فوق ظهر البعير من شدة الحمل { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي رفعنا شأنك ، وأعلينا مقامك في الدنيا والآخرة ، وجعلنا اسمك مقروناً باسمي قال مجاهد : لا أُذكر إِلا ذكرت معي وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ، ولا متشهد ، ولا صاحب صلاة إِلا ينادي : أشهد أن لا إِله إِلا الله وأن محمداً رسول الله ، وفي الحديث " أتاني جبريل فقال لي يا محمد : إِن ربك يقول : أتدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله تعالى أعلم ، قال : إِذا ذكرتُ ذكرتَ معي " قال في البحر : قرن الله ذكر الرسول بذكره جل وعلا في كلمة الشهادة ، والأذان والإِقامة ، والتشهد ، والخطب ، وفي غير موضع من القرآن ، وأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به كما قال حسان بن ثابت : @ وضمَّ الإِله اسم النبي إِلى اسمه إِذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشقَّ له من إِسمه ليُجله فذو العرش محمودٌ وهذا محمد @@ { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أي بعد الضيق يأتي الفرج ، وبعد الشدة يكون المخرج قال المفسرون : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في ضيق وشدة هو وأصحابه ، بسبب أذى المشركين للرسول والمؤمنين ، فوعده الله باليسر ، كما عدَّد عليه النعم في أول السورة تسلية وتأنيساً له ، لتطيب نفسه ويقوى رجاؤه ، وكأن الله تعالى يقول : إِنَّ الذي أنعم عليك بهذه النعم الجليلة ، سينصرك عليهم ، ويظهر أمرك ، ويبدل لك هذا العسر بيسرٍ قريب ، ولذلك كرره مبالغة فقال : { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أي سيأتي الفرج بعد الضيق ، واليسر بعد العسر فلا تحزن ولا تضجر وفي الحديث " لن يغلب عسرٌ يسرين " { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } أي فإِذا فرغت يا محمد من دعوة الخلق ، فاجتهد في عبادة الخالق ، وإِذا انتهيت من أمور الدنيا ، فأتعب نفسك في طلب الآخرة { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } أي اجعل همَّك ورغبتك فيما عند الله ، لا في هذه الدنيا الفانية قال ابن كثير : المعنى إِذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها ، وقطعت علائقها ، فانصب إِلى العبادة ، وقم إِليها نشيطاً فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الاستفهام التقريري للامتنان والتذكير بنعم الرحمن { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ … } الخ . 2 - الاستعارة التمثيلية { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } شبَّه الذنوب بحمل ثقيل يرهق كاهل الإِنسان ويعجز عن حمله بطريق الاستعارة التمثيلية . 3 - التنكير للتفخيم والتعظيم { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } نكر اليسر للتعظيم كأنه قال يسراً كبيراً . 4 - الجناس الناقص بين لفظ { اليُسْر } و { ٱلْعُسْر } . 5 - تكرير الجملة لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ويسمى هذا بالإِطناب . 6 - السجع المرصَّع مراعاة لرءوس الآيات { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } ومثلها { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } وهو من المحسنات البديعية .