Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { طُورِ سِينِينَ } هو جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى ومعنى { سِينِينَ } المبارك { تَقْوِيمٍ } تعديل يقال : قوَّم العود أي عدَّله وجعله مستقيما ، وقوَّمه الدهر جعله متزناً حصيف الرأي والعقل { مَمْنُونٍ } مقطوع { بِٱلدِّينِ } الجزاء مأخوذ من دان بمعنى جازى ومنه الحديث الشريف " كما تدين تُدان " أي كما تفعل تُجازى . التفسِير : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } هذا قسمٌ أي أُقسمُ بالتين والزيتون لبركتهما وعظيم منفعتهما قال ابن عباس : هو تينكم الذي تأكلون ، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت وقال عكرمة : أقسم الله تعالى بمنابت التين والزيتون ، فإِن التين ينبتُ كثيراً بدمشق ، والزيتون ببيت المقدس … وهو الأظهر ، ويدل عليه أن الله تعالى عطف عليه الاماكن " جبل الطور " و " البلد الأمين " فيكون قسماً بالبقاع المقدسة التي شرَّفها الله تعالى بالوحي والرسالات السماوية { وَطُورِ سِينِينَ } أي وأُقسم بالجبل المبارك الذي كلَّم الله عليه موسى وهو " طور سيناء " ذو الشجر الكثير ، الحسن المبارك قال الخازن : سمي " سينين " و " سيناء " لحسنه ولكونة مباركاً ، وكلُّ جبلٍ فيه أشجارٌ مثمرة يسمى سينين وسيناء { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } أي وأٌقسم بالبلد الأمين " مكة المكرمة " التي يأمن فيها من دخلها على نفسه وماله كقوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] ! ! قال الألوسي : هذه أقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إِليه الكثيرون ، فأما البلد الأمين فمكة المكرمة - حماها الله - بلا خوف ، وأما طور سينين فالجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه ، ويقال له : طور سيناء ، وأما التين والزيتون فروي عن قتادة أن المراد بهما جبلان : أحدهما بدمشق ، والثاني ببيت المقدس ، وعنى بالتين والزيتون منبتيهما ، وقيل : المراد بهما الشجران المعروفان وهو قول ابن عباس ومجاهد ، والغرض من القسم بتلك الأشياء الإِبانة عن شرف البقاع المباركة ، وما ظهر فيها من الخير والبركة ببعثة الأنبياء والمرسلين وقال ابن كثير : ذهب بعض الأئمة إِلى أن هذه محالٌ ثلاث ، بعث الله في كلٍ منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار فالأول : محلة التين والزيتون وهي " بيت المقدس " التي بعث الله فيها عيسى عليه السلام والثاني : طور سينين وهو " طور سيناء " الذي كلَّم الله عليه موسى بن عمران والثالث : البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً ، وهو الذي أرسل الله فيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر في آخر التوراة هذه الأماكن الثلاثة " جاء اللهُ من طور سيناء - الجبل الذي كلم الله عليه موسى - وأشرق من ساعير - يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً صلى الله عليه وسلم " فذكرهم بحسب ترتيبهم بالزمان ، وأقسم بالأشرف ثم الأشرف منه ، ثم بالأشرف منهما ، وجواب القسم هو قوله { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي لقد خلقنا جنس الإِنسان في أحسن شكل ، متصفاً بأجمل وأكمل الصفات ، من حسن الصورة ، وانتصاب القامة ، وتناسب الأعضاء ، مزيناً بالعلم والفهم ، والعقل والتمييز ، والنطق والأدب ، قال مجاهد : { أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أحسن صورة ، وأبدع خلق { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي ثم أنزلنا درجته إِلى أسفل سافلين ، لعدم قيامه بموجب ما خلقناه عليه ، حيث لم يشكر نعمة خلقنا له في أحسن صورة ، ولم يستعمل ما خصصناه به من المزايا في طاعتنا ، فلذلك سنرده إِلى أسفل سافلين وهي جهنم قال مجاهد والحسن : { أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أسفل دركات النار وقال الضحاك : أي رددناه إِلى أرذل العمر ، وهو الهرم بعد الشباب ، والضعف بعد القوة قال الألوسي : والمتبادرُ من السياقِ الإِشارة الى حالة الكافر يوم القيامة ، وأنه يكون على أقبح صورة وأبشعها ، بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي إِلا المؤمنين المتقين الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي فلهم ثواب دائم غير مقطوع عنهم ، وهو الجنة دار المتقين { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } الخطاب للإِنسان على طريقة الالتفات أي فما سبب تكذيبك أيها الانسان ، بعد هذا البيان وبعد وضوح الدلائل والبراهين ؟ فإِن خلق الإِنسان من نطفة ، وإيجاده في أجمل شكل وأبدع صورة ، من أوضح الدلائل على قدرة الله عز وجل على البعث والجزاء ، فما الذي يدعوك إِلى التكذيب بيوم الدين بعد هذه البراهين ؟ { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } أي أليس الله الذي خلق وأبدع ، بأعدل العادلين حكماً وقضاءً وفصلاً بين العباد ؟ ! وفي الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا قرأها قال : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين " . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - المجاز العقلي بإِطلاق الحال وإِرادة المحل { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } أراد موضعهما الشام وبيت المقدس على القول الراجح . 2 - الطباق بين { أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وبين { أَسْفَلَ سَافِلِينَ } . 3 - جناس الاشتقاق { أَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } . 4 - الالتفات من الغيبة إِلى الخطاب زيادة في التوبيخ والعتاب { فَمَا يُكَذِّبُكَ } ؟ ! 5 - الاستفهام التقريري { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } ؟ 6 - السجع المرصَّع { ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ … أَسْفَلَ سَافِلِينَ … أَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } والله أعلم . لطيفَة : ذكر الإِمام القرطبي : أن " عيسى الهاشمي " كان يحب زوجته حباً شديداً ، فقال لها يوماً : أنت طالقٌ ثلاثاً إِن لم تكوني أحسن من القمر ! ! فاحتجبت عنه وقالت طلقتني ، فحزن حزناً شديداً وذهب إِلى الخليفة " المنصور " وأخبره الخبر ، فاستحضر الفقهاء واستفتاهم ، فقال جميع من حضر : قد طُلّقت ، إِلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة فقد بقى ساكتاً فقال له المنصور : مالك لا تتكلم ؟ فقال له الرجل يا أمير المؤمنين : يقول الله تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } فليس شيء أحسن من الإِنسان ، فقال صدقت ، وردها إِلى زوجها .