Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-8)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { زُلْزِلَتِ } حركت تحريكاً عنيفاً { أَثْقَالَهَا } الموتى الذين في جوفها ، جمع ثقل وهو الشيء الثقيل ومنه { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } [ النحل : 7 ] قال الأخفش : إِذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها ، وإِن كان فوقها فهو ثقل عليها { يَصْدُرُ } ينصرف ويخرج ، والصدور ضد الورود ، فالوارد الآتي ، والصادر المنصرف { أَشْتَاتاً } متفرقين جمع شت يقال : ذهبوا أشتاتاً أي متفرقين . التفسِير : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } أي إِذا حركت الأرض تحريكاً عنيفاً ، واضطربت اضطراباً شديداً ، واهتزت بمن عليها اهتزازاً يقطع القلوب ويُفزع الألباب كقوله تعالى { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] قال المفسرون : إِنما أضاف الزلزلة إِليها { زِلْزَالَهَا } تهويلاً كأنه يقول : الزلزلة التي تليق بها على عظم جرمها ، وذلك عند قيام الساعة تتزلزل وتتحرك تحريكاً متتابعاً ، وتضطرب بمن عليها ، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل وشجر وبناءٍ وقلاع { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } أي وأخرجت الأرض ما في بطنها من الكنوز والموتى قال ابن عباس : أخرجت موتاها وقال منذر ابن سعيد : أخرجت كنوزها وموتاها وفي الحديث " تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلتُ ، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعتُ رحمي ، ويجيء السارقُ فيقول في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً " { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } ؟ أي وقال الإِنسان : ما للأرض تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة ، ولفظت ما في بطنها ؟ ! يقول ذلك دهشة وتعجباً من تلك الحالة الفظيعة { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي في ذلك اليوم العصيب - يوم القيامة - تتحدث الأرض وتخبر بما عُمل عليها من خير أو شر ، وتشهد على كل إِنسان بما صنع على ظهرها ، عن أبي هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } فقال : " أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : اللهُ ورسولهُ أعلم ، قال : فإِن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل يوم كذا ، كذا وكذا ، فهذه أخبارها " وفي الحديث " تحفَّظوا من الأرض فإِنها أمكم ، وإِنه ليس من أحدٍ عاملٍ عليها خيراً أو شراً إِلا وهي مخبرة به " { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } أي ذلك الإِخبار بسبب أن الله جلت عظمته أمرها بذلك ، وأذن لها أن تنطق بكل ما حدث وجرى عليها ، فهي تشكو العاصي وتشهد عليه ، وتشكر المطيع وتثني عليه ، والله على كل شيء قدير { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } أي في ذلك اليوم يرجع الخلائق من موقف الحساب ، وينصرفون متفرقين فرقاً فرقاً ، فآخذٌ ذات اليمين إِلى الجنة ، وآخذٌ ذات الشمال إِلى النار { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } أي لينالوا جزاء أعمالهم من خير أو شر { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } أي فمن يفعل من الخير زنة ذرةٍ من التراب ، يجده في صحيفته يوم القيامة ويلق جزاءه عليه قال الكلبي : الذرةُ أصغرُ النمل وقال ابن عباس : إِذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها ، فكلُّ واحد مما لصق به من التراب ذرة { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } أي ومن يفعل من الشر زنة ذرةٍ من التراب ، يجده كذلك ويلق جزاءه عليه قال القرطبي : وهذا مثل ضربه الله تعالى في أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة ، وهو مثل قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع نوجزها فيما يلي : 1 - الإِضافة للتهويل والتفظيع { زِلْزَالَهَا } . 2 - الإِظهار في مقام الإِضمار { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ } لزيادة التقرير والتوكيد . 3 - الاستفهام للتعجب والاستغراب { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } ؟ 4 - جناس الاشتقاق { زُلْزِلَتِ … زِلْزَالَهَا } . 5 - المقابلة بين { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً … } وبين { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً … } . 6 - السجع المرصَّع كأنه الذهب السبيك أو الدر والياقوت مثل { زِلْزَالَهَا } ، { أَثْقَالَهَا } ، { أَوْحَىٰ لَهَا } ، { أَخْبَارَهَا } ، { مَا لَهَا } وهو من المحسنات البديعية . فَائِدَة : سمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ … } الجامعة الفاذَّة حين سئل عن زكاة الحُمر فقال : " ما أنزل الله فيها شيئاً إِلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } " أخرجه البخاري .