Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 2-2)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن جرير : معنى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، ولا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمكين جوارح المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، وغذاهم به من نعيم العيش ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً ، و { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ثناءٌ أثنى به على نفسه ، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا الحمد لله ، ثم قال : وأهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر . قال ابن كثير : وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ، لأنه اشتهر عند كثير من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية ، والشكرّ لا يكون إلا على المتعدية ، ويكون بالجَنَان ، واللسان ، والأركان كما قال الشاعر : @ أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجّبا @@ وقال الجوهري : الحمد نقيض الذم تقول : حمدت الرجل أحمده حمداً فهو حميد ومحمود ، والتحميد أبلغ من الحمد ، والحمد أعمّ من الشكر ، والشكرُ هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف ، يقال : شكرته وشكرتُ له وباللام أفصح ، وأما المدح فهو أعمّ من الحمد لأنه يكون للحي ، وللميت ، وللجماد ، كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك ، ويكون قبل الإحسان وبعده على الصفات المتعدية واللازمة أيضا فهو أعم . وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضلُ الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمدُ لله " ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فقال : الحمد لله ، إلاّ كان الذي أعطَى أفضل مما أخذ " وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهم " أن عبداً من عباد الله قال : يا رب لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك ، وعظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا : يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده - ماذا قال عبدي ؟ قالا : يا رب إنه قال : لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، فقال الله لهما : أكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها " . والألف واللام في { ٱلْحَمْدُ } لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث : " اللهم لك الحمد كلُّه ، ولك الملك كلُّه ، وبيدك الخير كلُّه ، وإليك يرجع الأمر كلُّه " الحديث . { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الربُّ هو المالك المتصرف ، ويطلق في اللغة على السيد ، وعلى المتصرف للإصلاح ، وكلُّ ذلك صحيح في حق الله تعالى ، ولا يستعمل الرب لغير الله إلا بالإضافة ، تقول : ربُّ الدار ، وأما الرب فلا يقال إلا لله عزّ وجلّ . و { ٱلْعَالَمِينَ } جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عزّ وجلّ ، وهو جمعٌ لا واحد له من لفظه ، والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات ، وفي البر ، والبحر . وقال الفراء وأبو عبيد : العالم عبارة عمّا يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ، ولا يقال للبهائم عالم . وقال الزجاج : العالم كلُّ ما خلق الله في الدنيا والآخرة . قال القرطبي : وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين قال تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } [ الشعراء : 23 - 24 ] . والعالم مشتقٌ من العلامة ، لأنه دال على وجود خالقه وصانعه وعلى وجدانيته جلَّ وعلا كما قال ابن المعتز :