Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-92)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده ، فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر وهم فيما قبل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية ، اشتد حنق فرعون عليهم ، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه ، فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم فلحقوهم وقت شروق الشمس ، { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] ، أي كيف المخلص مما نحن فيه ؟ فقال : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] ، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه ، فضربه فانفلق البحر ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، وجاوزت بنو إسرائيل البحر ، فلما خرج آخرهم منه ، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى ، وهو في مائة ألف ، فلما رأى ذلك هاله ، وأحجم وهاب وهمَّ بالرجوع ، وهيهات ولات حين مناص ، فاقتحموا كلهم عن آخرهم ، وميكائيل في ساقتهم ، لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم ، فلما استوثقوا فيه وتكاملوا ، وهمَّ أولهم بالخروج منه أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم ، فارتطم عليهم ، فلم ينج منهم أحد ، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم ، وتراكمت الأمواج فوق فرعون ، وغشيته سكرات الموت ، فقال وهو كذلك : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] ، ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } أي هذا الوقت تقول ، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه ؟ { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي في الأرض ، { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } [ القصص : 41 ] ، وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ، ذلك من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما قال فرعون آمنت أنه لا إلٰه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل - قال : قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة " . وقوله تعالى : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } ، قال ابن عباس وغيره من السلف : إنَّ بعض بني إسرائيل شكّوا في موت فرعون ، فأمر الله البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح ، ليتحققوا موته وهلاكه ؛ ولهذا قال تعالى : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ } أي نرفعك على نشز من الأرض { بِبَدَنِكَ } ، قال مجاهد : بجسدك ، وقال الحسن : بجسم لا روح فيه ، وقوله : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك ، وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ، وأنه لا يقوم لغضبه شيء . { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها ، وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال ابن عباس : " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : " ما هذا اليوم الذي تصومونه " ؟ فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه " " .