Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر ، وصرتم من أهلها ، عن زيد بن أسلم قال ، " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } عن الطاعة ، { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } حتى يأتيكم الموت " ، وقال الحسن البصري : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } في الأموال والأولاد ، وعن أُبيّ بن كعب قال : " كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } يعني : " لو كان لابن آدم واد من ذهب " " وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الشخير قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " وروى مسلم في " صحيحه " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول العبد : مالي مالي ، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو تصدّق فأمضى ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " ، وروى البخاري عن أنَس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " وعن أنَس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنتان : الحرص والأمل " ، وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الأحنف بن قيس أنه رأى في يد رجل درهماً فقال : لمن هذا الدرهم ؟ فقال الرجل : لي ، فقال : إنما هو لك إذا أنفقته في أجر ، أو ابتغاء شكر ، ثم أنشد الأحنف متمثلاً قول الشاعر : @ أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك @@ وقال ابن بريدة : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار ( بني حارثة ) و ( بني الحارث ) تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : فيكم مثل فلان بن فلان وفلان ، وقال الآخرون : مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين ، تقول : فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور ، ومثل فلان . وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل ، وقال قتادة : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعد من بني فلان ، حتى صاروا من أهل القبور كلهم ، والصحيح أن المراد قوله : { زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي صرتم إليها ودفنتم فيها ، كما جاء في الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده ، فقال : " لا بأس طهور إن شاء الله " ، فقال ، قلت : طهور ، بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير ، تزيره القبور ، قال : " فنعم إذن " وعن ميمون بن مهران قال : كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } فلبث هنهية ثم قال : يا ميمون ما أرى المقابر إلاّ زيارة وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله يعني أن يرجع إلى منزله أي إلى جنة أو إلى نار ، وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلاً يتلو هذه الآية : { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } فقال : بعث اليوم ورب الكعبة ، أي أن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره ، وقوله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } قال الحسن البصري هذا وعيد بعد وعيد ، وقال الضحّاك { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني أيها الكفار ، { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني أيها المؤمنون ، وقوله تعالى : { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى صرتم إلى المقابر ثم قال : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } هذا تفسير الوعيد المتقدم ، وهو قوله : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } توعدهم بهذا الحال وهو رؤية أهل النار ، التي إذا زفرت زفرة واحدة ، خرّ كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه ، من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال ، على ما جاء به الأثر المروي في ذلك . وقوله تعالى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } أي ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم ، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته . روى ابن جرير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " بينما أبو بكر وعمر جالسان إذا جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما أجلسكما هٰهنا ؟ " ، قالا : والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلاّ الجوع ، قال : " والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره " ، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار ، فاستقبلتهم المرأة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " أين فلان ؟ " فقالت : ذهب يستعذب لنا ماء ، فجاء صاحبهم يحمل قربته ، فقال : مرحباً ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم ، فعلق قربته بكرب نخلة ، وانطلق فجاءهم بعذق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا كنت اجتنيت " ، فقال : أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم ، ثم أخذ الشفرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إياك والحلوب " فذبح لهم يومئذٍ ، فأكلوا فقال النبي صلى عليه وسلم : " لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم الجوع ، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا ، فهذا من النعيم " وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال : " أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطباً وشربوا ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " " وروى الإمام أحمد عن محمود بن الربيع قال : " لما نزلت { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } فقرأ حتى بلغ { لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قالوا : يا رسول الله عن أي نعيم نسأل ؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر ، وسيوفنا على رقابنا ، والعدو حاضر ، فعن أي نعيم نسأل ؟ قال : " أما إن ذلك سيكون " " . وروى الترمذي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم أن يقال له ألم نصحّ لك بدنك ، ونروك من الماء البارد " ؟ وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال ، قال الزبير : " لمّا نزلت { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قالوا : يا رسول الله لأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء ؟ قال : " إن ذلك سيكون " " وفي رواية عن عكرمة : " قالت الصحابة : يا رسول الله ، وأي نعيم نحن فيه ؟ وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير ؟ فأوحى إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : أليس تحتذون النعال ، وتشربون الماء البارد ؟ فهذا من النعيم " وعن ابن مسعود مرفوعاً : " الأمن والصحة " . وقال زيد بن أسلم " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } يعني شبع البطون ، وبارد الشراب ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق ولذة النوم " ، وقال مجاهد : عن كل لذة من لذات الدنيا ، وقال الحسن البصري : من النعيم الغداء والعشاء ، وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال ، وقال ابن عباس : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قال : النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العباد فيما استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله تعالى : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] . وثبت في " صحيح البخاري " و " سنن الترمذي " عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " ، ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون .