Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-7)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { أَرَأَيْتَ } يا محمد { ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } وهو المعاد والجزاء والثواب { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي هو الذي يقهر اليتيم ولا يطعمه ولا يحسن إليه { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } كقوله { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } [ الفجر : 18 ] ، ثم قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس : يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ، ولا يصلون في السر ، ولهذا قال : { لِّلْمُصَلِّينَ } الذين من أهل الصلاة ثم هم عنها ساهون ، إما عن فعلها بالكلية ، أو يخرجها عن وقتها ، وقال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال : { عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل { في صلاتهم ساهون } فيؤخرونها إلى آخر الوقت ، أو لا يؤدونها بأركانها وشروطها عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها ، فاللفظ يشمل ذلك كله ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً ، لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً " ، فهذا أخّر صلاة العصر التي هي الوسطى - كما ثبت به النص - إلى آخر وقتها ، وهو وقت كراهة ، ثم قال إليها فنقرها نقر الغراب ، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً ، ولهذا قال : " لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً " ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس ، لا ابتغاء وجه الله ، فهو كما إذا لم يصل بالكلية ، قال الله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] ، وقال تعالى هٰهنا : { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } ، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة ، أعدّ ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد : لحامل كتاب الله ، وللمصدق في غير ذات الله ، وللحاج إلى بيت الله ، وللخارج في سبيل الله " وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال : كنا جلوساً عند أبي عبيدة ، فذكروا الرياء ، فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سمّع بعمله سمّع الله به سامع خلقه وحقّره وصغّره " ، ومما يتعلق بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء ، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " كنت أصلي ، فدخل عليّ رجل ، فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كتب لك أجران : أجر السر ، وأجر العلانية " وفي رواية عنه قال ، " قال رجل : يا رسول الله ! الرجل يعمل العمل يسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " له أجران : أجر السر وأجر العلانية " " وعن سعد بن أبي وقاص قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال : " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " " ، قلت : وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ، ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً ، أو تأخيرها عن أول الوقت . وقوله تعالى : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه ، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به من بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى . وقد قال مجاهد { ٱلْمَاعُونَ } الزكاة ، وقال الحسن البصري : إن صلى راءى ، وإن فاتته لم يأس عليها ، ويمنع زكاة ماله ، وفي لفظ : صدقة ماله ، وقال زيد بن أسلم : هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها ، وخفيت الزكاة فمنعوها . وسئل ابن مسعود عن الماعون ؟ فقال : هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك ، وقال ابن جرير ، عن عبد الله قال : " كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن " ، ولفظ النسائي عن عبد الله قال : كل معروف صدقة ، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر ، وعن ابن عباس : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } يعني متاع البيت ، وكذا قال مجاهد والنخعي أنها العارية للأمتعة ، وقد اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : يمنعون الزكاة ، ومنهم من قال : يمنعون الطاعة ، ومنهم من قال : يمنعون العارية ، وعن علي : الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو ، وقال عكرمة : رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة ، وهذا الذي قاله عكرمة حسن ، فإنه يشمل الأقوال كلها ، وترجع كلها إلى شيء واحد ، وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة ، ولهذا جاء في الحديث : " كل معروف صدقة " .