Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذا أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه مبتسماً قلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : " لقد أنزلت عليَّ آنفاً سورة " فقرأ : { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ، ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي عزَّ وجلَّ عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " وقد استدل كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، فأما قوله تعالى : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة ، وقد رواه الإمام أحمد عن أنَس أنه قرأ هذه الآية : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقاً ، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسك أذفر ، وإذا حصباؤه اللؤلؤ " وعن أنس بن مالك قال : " لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال : أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر " وروى ابن جرير ، عن أنَس بن مالك قال : " لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك ، قال : " يا جبريل ما هذا النهر ؟ " قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربك " ؛ وفي رواية عن أنَس قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ؟ فقال : " هو نهر أعطانيه الله تعالى في الجنة ترابه مسك ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر " ، قال أبو بكر : يا رسول الله إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها " " وقال البخاري : حدَّثنا خالد بن يزيد الكاهلي . حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال : " سألتها عن قوله تعالى : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قالت : نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم " وعن عائشة قالت : " الكوثر نهر في الجنة شاطئاه در مجوف ، وقال إسرائيل : نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء " ، وعن مسروق قال ، قلت لعائشة : " يا أم المؤمنين حدِّثيني عن الكوثر ؟ قالت : نهر في بطنان الجنة ، قلت : وما بطنان الجنة ؟ قالت : وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت " . وقال البخاري ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الكوثر الخير الكثير ، وهذا التفسير يعم النهر وغيره ، لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد ، حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن وثواب الآخرة ، وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضاً ، فقال ابن جرير : عن ابن عباس قال : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل " . وعن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل . وقد روي مرفوعاً فقال الإمام أحمد : عن ابن عمر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل " وروى ابن جرير عن عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر . قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير ، فقال : صدق الله إنه للخير الكثير ؛ ولكن حدثنا ابن عمر قال : لما نزلت { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت " وهكذا روي عن أنَس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة ، وقال عطاء : هو حوض في الجنة . وقوله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته ، فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ، ونحرك فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 162 - 163 ] قال ابن عباس : يعني بذلك نحر البدن ونحوها ، وقيل : المراد بقوله : { وَٱنْحَرْ } وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر ، وقيل : { وَٱنْحَرْ } أي استقبل بنحرك القبلة ، والصحيح القول الأول : أن المراد بالنحر ذبح المناسك ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول : " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له " الحديث . قال ابن جرير : والصواب قول من قال : إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً ، دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ، شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به ، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقوله تعالى : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } أي إن مبغضك يا محمد ، ومبغض ما جئت به من الهدى والحق ، والبرهان الساطع والنور المبين { هُوَ ٱلأَبْتَرُ } الأقل الأذل المنقطع ذكره ، قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في العاص بن وائل ، وقال يزيد بن رومان : قال ، كان العاص بن وائل إذا ذكر سول الله صلى الله عليه وسلم يقول : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله هذه السورة ، وقيل : نزلت في عقبة بن أبي معيط ، وقال عطاء : نزلت في ( أبي لهب ) وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب أبو لهب إلى المشركين ، فقال : بتر محمد الليلة فأنزل الله في ذلك : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ، وعن ابن عباس : نزلت في ( أبي جهل ) وعنه { إِنَّ شَانِئَكَ } يعني عدوك ، وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم ، وقال عكرمة : الأبتر الفرد ، وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل ، قالوا : بتر ، فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : بتر محمد ، فأنزل الله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ، وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره . فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمراً على دوام الآباد ، إلى يوم المحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد .