Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 109, Ayat: 1-6)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون ، فقوله تعالى : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } يشمل كل كافر على وجه الأرض ، ولكن الموجهون بهذا الخطاب هم ( كفار قريش ) دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة ، ويعبدون معبوده سنة ، فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية . فقال : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } يعني من الأصنام والأنداد ، { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } وهو الله وحده لا شريك له ، ثم قال : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } ، أي ولا أعبد عبادتكم أي ولا أسلكها ولا أقتدي بها ، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه ، ولهذا قال : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } أي لا تقتدون بأوامر وشرعه ، في عبادته ، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم ، كما قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } [ النجم : 23 ] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه ، ولهذا كان كلمة الإسلام " لا إلٰه إلاّ الله محمد رسول الله " أي لا معبود إلاّ الله ، ولا طريق إليه إلاّ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن الله بها ، ولهذا قال : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ، كما قال تعالى : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } [ يونس : 41 ] ، وقال : { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [ القصص : 55 ، الشورى : 15 ] ، وقال البخاري { لَكُمْ دِينُكُمْ } الكفر ، { وَلِيَ دِينِ } الإسلام ، ولم يقل : ديني ، لأن الآيات بالنون فحذف الياء ، كما قال : { فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] و { يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] ، وقال غيره : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } الآن ولا أجيبكم بما بقي من عمري { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } ، ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [ الشرح : 5 - 6 ] فهذه ثلاثة أقوال : أولهما : ما ذكرناه أولاً . الثاني : ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في الماضي { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في المستقبل . الثالث : أن ذلك تأكيد محض . وثمّ قول رابع : نصره ابن تيمية في بعض كتبه ، وهو أن المراد بقوله : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } نفي الفعل لأنها جملة فعلية ، { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } نفي قبوله لذلك بالكلية ، لأن النفي بالجملة الإسمية آكد ، فكأنه نفي الفعل ، وكونه قابلاً لذلك ، ومعناه نفي الوقوع ، ونفي الإمكان الشرعي أيضاً ، وهو قول حسن أيضاً ، والله أعلم .