Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 18-22)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يبيّن تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق ، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عزّ وجلّ يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول : { ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } " الآية . وقوله : { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي يردون الناس عن اتباع الحق ، وسلوك طريق الهدى والموصلة إلى الله عزّ وجلّ ، { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي ويريدون أن يكون طريقهم { عِوَجاً } غير معتدلة ، { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها ، { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } أي بل كانوا تحت قهره وغلبته ، وفي قبضته وسلطانه ، وهو قادر على الانتقام منهم ، ولكن { يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] ، وفي " الصحيحين " : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ولهذا قال تعالى : { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } ، الآية أي يضاعف عليهم العذاب وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم ، بل كانوا صماً عن سماع الحق ، عمياً عن ابتاعه ، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] . وقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نار حامية ، فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها ، كما قال تعالى : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [ الإسراء : 97 ] ، { وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي ذهب عنهم ، { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئاً بل ضرتهم كل الضرر ، كما قال تعالى : { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 6 ] ، وقال تعالى : { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] وقال الخليل لقومه : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم ، ولهذا قال : { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } ، يخبر تعالى عن مآلهم بأنهم أخسر الناس في الآخرة ، لأنهم اعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ، وعن الحور العين بطعام من غسلين ، وعن القصور العالية بالهاوية ، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون .