Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-5)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روى البخاري : عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش ، فقال : " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ " قالوا : نعم ، قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تباً لك ، فأنزل الله : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها " وفي رواية : فقام ينفض يديه وهو يقول : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } الأول دعاء عليه ، والثاني خبر عنه ، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واسمه ( عبد العزى بن عبد المطلب ) وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغض له ، والتنقص له ولدينه ، روى الإمام أحمد عن أبي الزناد قال : " أخبرني رجل يقال له ( ربيعة بن عباد ) من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول : " يا أيها الناس قولوا لا إلٰه إلاّ الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه ، ووراءه رجل وضيء الوجه ، أحول ذو غديرتين ، يقول : إنه صابيء كاذب ، يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا عمه أبو لهب " وقال محمد بن إسحاق . عن ربيعة بن عباد : " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول : " يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً ، وأن تصدقوني وتمنعوني حق أنفذ عن الله ما بعثني به " ، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه ، فقلت لأبي : من هذا ؟ قال عمه أبو لهب " فقوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي خسرت وخابت وضل عمله وسعيه ، { وَتَبَّ } أي وقد تبّ تحقق خسارته وهلاكه . وقوله تعالى : { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن عباس : { وَمَا كَسَبَ } يعني ولده ، يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي ، فأنزل الله تعالى : { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } . وقوله تعالى : { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي ذات شرر ولهب وإحراق شديد ، { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } وكانت زوجته من سادات نساء قريش ، وهي ( أم جميل ) واسمها ( أروى بنت حرب بن أمية ) وهي أخت أبي سفيان ، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده ، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم ، ولهذا قال تعالى : { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه ، هي مهيأة لذلك مستعدة له ، { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال مجاهد : من مسد النار ، وعن مجاهد وعكرمة ، { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة . وقال ابن عباس والضحّاك : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد ، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار ، والمسد الليف ، وقيل : هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعاًَ ، قال الجوهري : المسد الليف ، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص ، وقال مجاهد : { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي طوق من حديد ، أخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لمّا نزلت : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أقبلت العوراء ( أم جميل ) بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول : @ مذمّمـاً أبيْنـا ودينـه قليْنـا وأمـره عصينـا @@ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله قد أقبلتْ وأنا أخاف عليك أن تراك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها لن تراني " ، وقرأ قرآناً اعتصم به ، كما قال تعالى : { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } [ الإسراء : 45 ] ، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني ، قال : لا ورب هذا البيت ما هجاك ، فولّت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها ، قال : فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت ، فقالت : تعس مذمم . وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى سفيرها ، ثم ترمى إلى أسفلها ، ثم لا تزال كذلك دائماً . قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوّة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً ، لا سراً ولا علناً ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة ، على النبوّة الظاهرة .