Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-34)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ، وهي مصر حتى تحدث به الناس ، { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } نساء الكبراء والأمراء ينكرن على { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ } وهو الوزير ويعبن ذلك عليها ، { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } : أي تدعوه إلى نفسها ، { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها وهو غلافه ، قال الضحاك عن ابن عباس : الشغف الحب القاتل ، والشغف دون ذلك ، والشغاف حجاب القلب ، { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي في صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها إياه عن نفسه ، { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } ، قال بعضهم : بقولهن ذهب الحب بها . وقال محمد بن إسحاق : بلغهن حُسن يوسف فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } ، قال ابن عباس : هو المجلس المعد فيه مفارش ومخاد وطعام فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه ؛ ولهذا قال تعالى : { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } ، وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ، { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ، { فَلَمَّا } خرج و { رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي أعظمن شأنه وأجللن قدره ، وجعلن يقطعن أيديهن دهشاً برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين ، والمراد أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد ؛ وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ثم وضعت بين أيديهن أترجاً وآتت كل واحدة منهن سكيناً : هل لكنَّ في النظر إلى يوسف ؟ قلن : نعم ، فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن ، فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلاً ومدبراً ، فرجع وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم ، جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرةٍ واحدة فعلتن هذا ، فكيف ألام أنا ؟ { وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ، ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبيهه ولا قريباً منه ، فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة قال : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " ، { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } تقول : هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } أي فامتنع ، قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن وهي العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعده : { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } ، فعند ذلك استعاذ يوسف عليه السلام من شرهن وكيدهن ، و { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } أي من الفاحشة ، { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي إن وكلتني إلى نفسي فليس لي منها قدرة ولا أملك لها ضراً ولا نفعاً إلا بحولك وقوتك ، أنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } الآية ، وذلك أن يوسف عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة وحماه ، فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال ، أنه من شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته وهي امرأة عزيز مصر ، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة ، ويمتنع من ذلك ، ويختار السجن على ذلك خوفاً من الله ورجاء ثوابه . ولهذا ثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وعدَّ منها ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال أني أخاف الله " ، الحديث .