Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 34-35)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار ، فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك : { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي بأيدي المؤمنين قتلاً وأسراً ، { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } أي المدخر مع هذا الخزي في الدنيا { أَشَقُّ } أي من هذا بكثير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين : " إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة " ، وهو كما قال صلوات الله وسلامه عليه : فإن عذاب الدنيا له انقضاء ، وذاك دائم أبداً في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفاً ، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته ، كما قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 - 26 ] ، وقال تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [ الفرقان : 11 - 12 ] ولهذا قرن هذا بقوله : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } أي صفتها ونعتها { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي سارحة في أرجائها وجوانبها ، وحيث شاء أهلها يفجرونها تفجيراً ، أي يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا ، كقوله : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } [ محمد : 15 ] الآية ، وقوله : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } أي فيها الفواكه والمطاعم والمشارب لا انقطاع ولا فناء . وفي " الصحيحين " من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، وفيه قالوا : " يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت ، فقال : " إني رأيت الجنة - أو أريت الجنة - فتناولت منها عنقوداً ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " وقال الحافظ أبو يعلى ، عن جابر قال : بينما نحن في صلاة الظهر ، إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا ، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر ، فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب : يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما رأيناك كنت تصنعه ، فقال : " إني عرضت عليّ الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه " . وروى الإمام أحمد والنسائي عن زيد بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الكتاب فقال : " يا أبا القاسم ، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ؟ قال : " نعم ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة " ، قال : إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة الأذى ، قال : " تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كريح المسك فيضمر بطنه " ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً " ، وجاء في بعض الأحاديث أنه إذا فرغ منه عاد طائراً كما كان بإذن الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 32 - 33 ] ، وقال : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } [ الإنسان : 14 ] ، وكذلك ظلها لا يزول ولا يقلص كما قال تعالى : { لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } [ النساء : 57 ] . وقد تقدم في " الصحيحين " من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها " ثم قرأ : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] وكثيراً ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ليرغب في الجنة ويحذر من النار ؛ ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر قال بعده : { تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ } ، كما قال تعالى : { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } [ الحشر : 20 ] .