Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 13-17)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم ، كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به : { لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ } [ الأعراف : 88 ] الآية ، وكما قال قوم لوط : { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } [ النمل : 56 ] الآية ، ولهذا قال تعالى : { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] ، وقال تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] ، وقال تعالى : { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] ، وقال تعالى : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [ الأعراف : 137 ] ، وقوله : { ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } أي وعيدي ، هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة ، وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي ، كما قال تعالى : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 37 - 39 ] ، وقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] ، وقوله : { وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي استنصرت الرسل ربها على قومهم ، وقال ابن أسلم : استفتحت الأمم على أنفسها ، كما قالوا : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] ، ويحتمل أن يكون هذا مراداً ، وهذا مراداً ، كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر ، واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستنصر وقال الله تعالى للمشركين : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ الأنفال : 19 ] الآية ، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي متجبر في نفسه عنيد معاند للحق ، كقوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } [ ق : 24 - 25 ] . وفي الحديث : " إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة ، فتنادي الخلائق فتقول : إني وكلت بكل جبار عنيد " الحديث ، وقوله : { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } وراء هنا بمعنى أمام ، كقوله تعالى : { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] ، وكان ابن عباس يقرؤها : وكان أمامهم ملك ، أي من وراء الجبار العنيد جهنم ، أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلداً يوم المعاد ، ويعرض عليها غدواً وعشياً إلى يوم التناد ، { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق ، كما قال : { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ ص : 57 - 58 ] ، وقال مجاهد : الصديد من القيح والدم . وقال قتادة : هو ما يسيل من لحمه وجلده ، وفي رواية عنه : الصديد ما يخرج من جوف الكافر فقد خالط القيح والدم ، وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن ، قالت : " قلت : يا رسول الله ما طينة الخبال ؟ قال : " صديد أهل النار " ، وفي رواية : " عصارة أهل النار " ، وقال الإمام أحمد ، عن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ } قال : " يقرب إليه فيتركه ، فإذا أدني منه شوي وجهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره " ، يقول تعالى : { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] ، ويقول : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } [ الكهف : 29 ] الآية . وقوله تعالى : { يَتَجَرَّعُهُ } أي يتغصصه ويتكرهه ، أي يشربه قهراً وقسراً لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد ، كما قال تعالى : { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } [ الحج : 21 ] ، { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع ، { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } أي يألم له جميع بدنه من كل عظم وعصب وعرق ، وقال عكرمة : حتى من أطراف شعره ، وقال ابن عباس : { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } قال : أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه ، لو كان يموت ، ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال : { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] ، ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنه أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه ، اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ، ولهذا قال تعالى : { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } ، وقوله : { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر ، وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم : { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 66 - 68 ] ، فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم ، وتارة في شرب حميم ، وتارة يردون إلى جحيم ، عياذاً بالله من ذلك ، وهكذا قال تعالى : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ * كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ * كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } [ الدخان : 43 - 46 ] ، وقال تعالى : { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ ص : 57 - 58 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تنوع العذاب عليهم ، وتكراره وأنواعه وأشكاله ، مما لا يحصيه إلا الله عزّ وجلّ ، جزاء وفاقاً { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] .