Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 126-128)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى بالعدل في القصاص والمماثلة في استيفاء الحق ، قال ابن سيرين : إن أخذ منكم رجل شيئاً فخذوا مثله ، وكذا قال مجاهد والحسن البصري واختاره ابن جرير ، وقال ابن زيد : كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين فأسلم رجال ذوو منعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب ، فنزلت هذه الآية ثم نسخ ذلك بالجهاد ، قال عطاء بن يسار : " نزلت سورة النحل كلها بمكة ، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها ، نزلت بالمدينة ، بعد أحد حين قتل حمزة رضي الله عنه ومثل به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن أظهرني الله عليهم لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم ، فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فأنزل الله : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } " إلى آخر السورة ، وقال الحافظ أبو بكر البزار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حين استشهد ، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه ، أو قال لقلبه ، فنظر إليه وقد مُثل به ، فقال : " رحمة الله عليك ، إن كنت ما علمتك إلاّ وصولاً للرحم ، فعولاً للخيرات . والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك لأمثلن بسبعين كمثلتك " ، فنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه السورة وقرأ : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } إلى آخر الآية ، فكفر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عن يمينه وأمسك عن ذلك . وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن ، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل ، كما في قوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، ثم قال : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 40 ] الآية . وقال : { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } [ المائدة : 45 ] ، ثم قال : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] ، وقال في هذه الآية : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ، ثم قال : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } ، وقوله تعالى : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } تأكيد للأمر بالصبر ، وإخبار بأن ذلك لا ينال إلاّ بمشيئة الله وإعانته ، وحوله وقوته ، ثم قال تعالى : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ، أي على من خالفك فإن الله قدر ذلك ، { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ } أي غم ، { مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك ، فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك ومظفرك بهم ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } ، أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه .