Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 14-18)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج ، ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه ، وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفيسة ، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها ، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره أي تشقه ، وقيل : تمخر الرياح وكلاهما صحيح ، الذي أرشد العباد إلى صنعتها ، وهداهم إلى ذلك إرثاً عن نوح عليه السلام ، فإنه أول من ركب السفن ، وله كان تعليم صنعتها ، ثم أخذها الناس عنه قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل ، يسيرون من قطر إلى قطر ، ومن بلد إلى بلد ، لجلب ما هناك من الأرزاق ، ولهذا قال تعالى : { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي نعمه وإحسانه ؛ ثم ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد ، أي تضطرب بما عليها من الحيوانات ، فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ، ولهذا قال : { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [ النازعات : 32 ] وقال الحسن : لما خلقت الأرض كانت تميد فقالوا : ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً ، فأصبحوا وقد خلقت الجبال ، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال ؟ وقال سعيد ، عن قيس بن عبادة : إن الله لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة : ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً ، فأصبحت صبحاً وفيها رواسيها . وقوله : { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً } أي جعل فيها أنهاراً تجري من مكان إلى مكان آخر رزقاً للعباد ينبع في موضع ، وهو رزق لأهل موضع آخر ، فيقطع البقاع والبراري والقفار ، ويخترق الجبال والآكام ، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله ، وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة وجنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً ، ما بين صغار وكبار ، وأودية تجري حيناً وتنقطع في وقت ، وما بين نبع وجمع ، وقوي السير وبطيئه بحسب ما أراد وقدّر وسخّر ويسر ، فلا إلٰه إلا هو ولا رب سواه ، وكذلك جعل فيها { سُبُلاً } أي طرقاً يسلك فيها من بلاد إلى بلاد حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممراً ومسلكاً ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } [ الأنبياء : 31 ] الآية . وقوله : { وَعَلامَاتٍ } أي دلائل من جبال كبار وآكام وصغار ونحو ذلك يستدل بها المسافرون براً وبحراً إذا ضلوا الطرق . وقوله : { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أي في ظلام الليل ، قاله ابن عباس ، ثم نبّه تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئاً بل هم يخلقون ، ولهذا قال : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } ثم نبههم على كثرة نعمة عليهم وإسحانه إليهم فقال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يتجاوز عنكم ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ، ولكنه غفور رحيم يغفر الكثير ويجازي على اليسير . وقال ابن جرير : يقول : إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة .