Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 35-37)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الإشراك واعتذارهم محتجين بالقدر بقولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك ممّا كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ما لم ينزل به سلطاناً ، ومضمون كلامهم أنه لو كان تعالى كارهاً لما فعلنا لأنكره علينا بالعقوبة ولما أمكننا منه ؛ قال تعالى راداً عليهم شبهتهم : { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم ، بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار ونهاكم عنه آكد النهي ، وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة من الناس رسولاً ، فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح ، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته لإنس والجن في المشارق والمغارب . { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوت } فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } ؟ فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله ؛ وأما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدراً فلا حجة لهم فيها ، لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر ، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ، ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل ، فلهذا قال : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أي أسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق ، كيف { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] ، فقال : { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } [ الملك : 18 ] ، ثم أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم ، إذا كان الله قد أراد إضلالهم ، كقوله تعالى : { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ المائدة : 41 ] ، وقال نوح لقومه : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } [ هود : 34 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } . كما قال الله : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] ، وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ } أي شأنه وأمره ، { لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } أي من أضله ، فمن ذا الذي يهديه من بعد الله ؟ أي لا أحد { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي ينقذونه من عذابه ووثاقه { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 54 ] .