Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 101-104)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات ، وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه ، فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون ، وهي " العصا ، واليد ، والسنين ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم " آيات مفصلات قاله ابن عباس ، وقال محمد بن كعب : هي اليد والعصا والخمس في الأعراف والطمس والحجر ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد : ( هي يده ، وعصاه ، والسنين ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ) ، وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي ، وجعل الحسن البصري : السنين ونقص الثمرات واحدة ؛ وعنده أن التاسعة هي تلقف العصا ما يأفكون ، { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } [ الأعراف : 133 ] أي ومع هذه الآيات ومشاهدتهم لها كفروا بها وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً وما نجعت فيهم ؛ فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك ما سألوا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً إلى آخرها ، لما استجابوا ولا آمنوا إلاّ أن يشاء الله ، كما قال فرعون لموسى - وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الآيات - { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } قيل : بمعنى ساحر ، والله تعالى أعلم . فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المرادة هٰهنا ، وهي المعنية في قوله تعالى : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ } [ النمل : 10 ] إلى قوله { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ النمل : 12 ] ، فذكر هاتين الآيتين العصا واليد ، وبيَّن الآيات الباقيات في سورة الأعراف وفصّلها ، وقد أوتي موسى عليه السلام آيات أخر كثيرة : منها ضربه الحجر بالعصا ، وخروج الماء منه ، ومنها تظليلهم بالغمام ، وإنزال المن والسلوى ، وغير ذلك مما أوتيه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر ، ولكن ذكر هٰهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر ، فكانت حجة عليهم ، فخالفوها وعاندوها كفراً وجحوداً . ولهذا قال موسى لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } أي حججاً وأدلة على صدق ما جئتك به ، { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } أي هالكاً ، قاله مجاهد وقتادة ، وقال ابن عباس : ملعوناً ، وقال الضحّاك { مَثْبُوراً } : أي مغلوباً ، والهالك كما قال مجاهد ، شمل هذا كله . ويدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا واليد والسنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه ، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله ، وقوله : { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي يخليهم منها ويزيلهم عنها { فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } ، وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن السورة مكية ، نزلت قبل الهجرة وكذلك وقع فإن أهل مكة همّوا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى : { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } [ الإسراء : 76 ] الآيتين ، ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة وقهر أهلها ثم أطلقهم حلماً وكرماً ، كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها ، وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم ، كما قال : كذلك وأورثناها بني إسرائيل ، وقال هٰهنا { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } أي جميعكم أنتم وعدوكم ، قال ابن عباس { لَفِيفاً } أي جميعاً .