Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 29-30)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى آمراً بالاقتصاد في العيش ، ذاماً للبخل ، ناهياً عن السرف : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } أي لا تكن بخيلاً منوعاً لا تعطي أحداً شيئاً ، كما قالت اليهود عليهم لعائن الله ( يد الله مغلولة ) أي نسبوه إلى البخل ، تعالى وتقدس الكريم الوهاب ، وقوله : { وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } أي ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك ، وتخرج أكثر من دخلك { فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } ، وهذا من باب اللف والنشر ، أي فتقعد إن بخلت ملوماً يلومك الناس ويذمونك ، ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير ، وهو الدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفاً وعجزاً ، فإنها تسمى الحسير . وهو مأخوذ من الكلال ، كما قال تعالى : { ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } [ الملك : 4 ] أي كليل عن أن يرى عيباً ، وقد جاء في " الصحيحين " عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأما المنفق فلا ينفق إلاّ سبغت ، أو وفرت على جلده حتى تخفى بنانة وتعفو أثره ، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلاّ لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها فلا تتسع " وفي " الصحيحين " عن أسماء بنت أبي بكر قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ، ولا توعي فيوعي الله عليك ، ولا توكي فيوكي الله عليك " ، وفي لفظ : " ولا تحصي فيحصي الله عليك " وفي " صحيح مسلم " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قال لي : أنفق أنفق عليك " وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً " ، وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً : " ما نقص مالٌ من صدقة ، وما زاد الله عبداً أنفق إلاّ عزاً ، ومن تواضع لله رفعه الله " وفي حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً : " إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا " وروى البيهقي عن الأعمش ، عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يخرج رجل صدقة حتى يفك لحي سبعين شيطاناً " وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " ، وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } إخبار أنه تعالى هو الرزاق ، القابض الباسط ، المتصرف في خلقه بما يشاء . فيغني من يشاء ويفقر من يشاء ، لما له في ذلك من الحكمة ، ولهذا قال : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } أي خبيراً بصيراً بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر . كما جاء في الحديث : " إن من عبادي لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه . وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه " وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً ، والفقر عقوبة عياذاً بالله من هذا وهذا .