Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 71-72)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم ، وقد اختلفوا في ذلك ، فقال مجاهد وقتادة : أي بنبيهم ، وهذا كقوله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } [ يونس : 47 ] الآية ، وقال بعض السلف : هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث ، لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن زيد : بكتابهم الذي أنزل على نبيهم واختاره ابن جرير ، وروي عن مجاهد أنه قال : بكتبهم ، فيحتمل أن يكون أراد ما روي عن ابن عباس في قوله : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } أي بكتاب أعمالهم ، وهذا القول هو الأرجح ، لقوله تعالى : { وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } [ يس : 12 ] ، وقال تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [ الكهف : 49 ] الآية ، ويحتمل أن المراد { بِإِمَامِهِمْ } أي كل قوم بمن يأتمون به ، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء عليهم السلام ، وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم ، كما قال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } [ القصص : 41 ] وفي " الصحيحين " : " التَّتبعْ كل أمة ما كانت تعبد ، فيتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت " الحديث ، وقال تعالى : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجاثية : 29 ] . وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته ، فإنه لا بدّ أن يكون شاهداً على أمته بأعمالها ، كقوله تعالى : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } [ الزمر : 69 ] . وقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] ، ولكن المراد هٰهنا بالإمام هو كتاب الأعمال ، ولهذا قال تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ } أي من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرؤه ويحب قراءته ، كقوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } [ الحاقة : 19 ] الآيات ، وقوله تعالى : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } الفتيل : هو الخيط المستطيل في شق النواة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } ، قال : " يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ، ويمد له في جسمه ، ويبيض وجهه ، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم أتنا بهذا ، وبارك لنا في هذا ، فيأتيهم فيقول لهم : أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا ، وأما الكافرون فيسود وجهه ويمد له في جسمه ، ويراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من هذا أو من شر هذا ، اللهم لا تأتنا به ، فيأتيهم فيقولون : اللهم اخزه ، فيقول : أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا " وقوله تعالى : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } أي في الحياة الدنيا { أَعْمَىٰ } أي عن حجة الله وآياته وبيناته ، { فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } أي كذلك يكون { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } أي وأضل منه كما كان في الدنيا ، عياذاً بالله من ذلك .